عندنا أزمة، ليس في بطء اتخاذ القرارات، بل وفي تنفيذها فيما لو اتخذت من الأساس. البارحة قرأت في عكاظ عن جولات (الصحة) الميدانية للتأكد من الوضع ومحاسبة كل من يخالف التعليمات بعد أن لوحظ قيام بعض المديريات بتكليف الخريجين حديثا بأعمال إدارية تؤدي إلى نقص في التخصصات الفنية. الأدهى أن التقرير الذي نشرته الصحيفة كان أكد أن عدد العاملين في القطاع الصحي ممن لا يشغلون وظائفهم الأساسية يقارب ال4000 موظف! وعلينا الآن أن نحاول أن نفهم، أن نفرك على رؤوسنا بقوة حتى تتحرك الدورة الدموية في أدمغتنا فتعمل بكامل طاقتها لنستوعب أمرا كهذا في وزارة دائما ما يدلي مسؤولوها بتأكيداتهم النقص الحاد والحاجة الماسة والفورية إلى توطين آلاف وظائف التخصصات الطبية. لدينا أزمة أيضا في استثمار الكفاءات وإدارة الكوادر البشرية؛ إذ لا يمكن بحال تفهُّم إسناد أعمال مكتبية إلى خريج تخصص طبي كلفت دراسته الدولة عشرات الآلاف، فيما يمكن شغل هذه الوظيفة بمواطن أقل تأهيلا ومهارة، دع عنك أننا نفاقم أزمة نقص المتخصصين الطبيين بقرارات ارتجالية لا تستند إلى فهم عميق للحالة العامة أو إدراك لآثاره البعيدة المدى. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فأنا لا أعرف حجم المتخصصين لدينا في (الإدارة الطبية)؛ إذ كثيرا ما تسند الأعمال الإدارية والمناصب القيادية في إدارات الصحة ومستشفياتها إلى أطباء مؤهلين وممارسين على قدر كبير من الخبرة، وهو أمر لا يرى كثيرا في الدول الأخرى التي تحيل الإدارة الطبية إلى متخصصين في هذا المجال، مفضلة أن يتفرغ الطبيب لطاولة الفحص والجراحة، لا إلى طاولة المعاملات الورقية، لاسيما أنه لن يكون الشخص الملم بكل أبعاد الإدارة.