السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه الحلقات عن الأخطاء الطبية هو هل يمكن لنا أن ننشئ مستشفى خاليا تماماً من الأخطاء الطبية، إن عدم إعلان الأخطاء الطبية في أي مستشفى أو عدم شكوى المريض على المستشفى أو عدم تركيز الإعلام على مستشفى معين لا يعني خلو المستشفى من الأخطاء. لذا فإنني أقول جازماً بأن المستشفى الوحيد الذي ليس به أخطاء هو المستشفى الذي لا يستقبل أي مريض فما دام أن هناك بشرا فهناك أخطاء هذه سنة الحياة، ولكن علينا أن نعالج الأخطاء دائماً ونعمل على عدم تكرارها بصورة فعالة وليس بتهدئة الشاكي وإرضائه فهذه حلول وقتية تمر ويعود الخطأ ليتكرر. لذا فإن الحلول يجب أن تتركز من قبل الجهات الصحية المسئولة في مختلف القطاعات وفي المستشفيات على عدم تكرار الأخطاء الطبية، فاللجان الطبية التي ترسل للتحقيق عليها ملاحظات في آليات عملها وتشكيلها وصلاحياتها مما يتسبب في حل المشكلة وفي وقتها ولكنها تكرر بعد أشهر أو سنوات نظراً لأن الحل كان وقتياً. وسوف أستعرض هنا بعضاً من الحلول التي تطرحها بعض هذه اللجان وكيفية تكرار وقوع الأخطاء: 1- بعض اللجان تكون غير متخصصة في موضوع الشكوى بمعنى أن يرسل طبيب عام في التحقيق في عملية جراحية أو أن يرسل طبيب باطني للتحقيق في عملية جراحية للمعدة، أو أن يرسل طبيب جراح للتحقيق في خطأ يخص طبيب التخدير، أو أن تكون اللجنة برئاسة إداري وليس طبيبا ونعرف في مجتمعنا دور مدير اللجنة في التحقيق وكتابة التقرير. فرئيس اللجنة له دور مؤثر بغض النظر عن الأطباء المشاركين وقد رأيت ذلك يحدث بنفسي في بعض اللجان. 2- تهتم اللجان في كثيرمن الأحيان بدراسة المشكلة الفنية وتهمل أحياناً الجوانب الإدارية، فعلى سبيل المثال طبيب أخطأ وكانت أسباب الخطأ هو قلة الخبرة لدى الطبيب والممرضات أو نقص الممرضات ، فتصدر التوصيات بمعاقبة الطبيب والممرضة، وتوصيات أخرى بزيادة عدد الممرضات وتحسين استقطابهم فيتم تنفيذ التوصية الأولى وإهمال الثانية ويتم استقطاب أطباء وممرضات في مستوى المغادرين لأن هذا هو المتوفر للعرض المقدم. فتتكرر المشكلة بعد أشهر أو سنوات ثم تأتي لجنة جديدة بأعضاء جدد للتحقيق ويبقى الوضع كما هو لأننا لم نعالج المشكلة من جذورها، رغم أنني لست ضد معاقبة أي طبيب أو ممرضة ولكني أهتم بعدم تكرار الأخطاء. 3- تجبر الممرضات في أحيان للعمل في أقسام أخرى غير أقسام تخصصاتهن نتيجة النقص في عدد الممرضات وينتج عن ذلك أخطاء كوارثية ومع هذا يعاقب الطبيب والممرضة ويخشى الكثير من الأطباء والممرضات ذكر ذلك في التحقيقات وتتكرر الأخطاء لأننا لم نعالج المشكلة من جذورها. 4- يتم إهمال السياسات والإجراءات بالمستشفيات نتيجة نقص العاملين أو إهمالهم فيعاقب الطبيب أو الممرضة أو هما معاً وتتكرر الأخطاء لأننا لم نعالج المشكلة من جذورها. 5- يتم إهمال أقسام الجودة والنوعية أو الجودة الشاملة بالمستشفيات إما بنقص العاملين بها أو قلة خبرتهم أو عدم إعطائهم الصلاحيات الكاملة فتحدث الأخطاء الطبية فيعاقب الطبيب والممرضة وتتكرر المشكلة لأننا لم نعالج المشكلة من جذورها. 6- تحدث كثير من الأخطاء الطبية بالمستشفيات الصغيرة نتيجة لقلة الخبرة، وعدم توفر التخصصات المطلوبة، وعدم توفر الأجهزة الحديثة وعدم نقل الحالات إلى مراكز متقدمة فتحدث الأخطاء فيعاقب الأطباء والممرضات وتتكرر الأخطاء لأن المشكلة لم تعالج من جذورها. 7- يذهب الأطباء في إجازاتهم السنوية فيتم الاستعانة بأطباء أقل خبرة في المستشفى أو من أماكن أخرى نتيجة نقص الأطباء فتحدث الأخطاء الطبية فيعاقب الأطباء وتتكرر المشكلة لأن المشكلة لم تعالج من جذورها. 8- تهمل في كثير من المستشفيات تحديد مجال عمل الطبيب والإجراءات الطبية المسموح له بعملها سواء كانت علاجية أو جراحية وهذا يتم من قبل لجان طبية متخصصة فتحدث الأخطاء الطبية فيعاقب الأطباء وتتكرر الأخطاء لأننا لم نعالج المشكلة من جذورها. 9- تتعطل بعض الأجهزة المهمة وتتأخر إصلاحها وتتم بعض الإجراءات الطبية بدون الأجهزة الضرورية لها فيعاقب الأطباء وتتكرر الأخطاء لأننا لم نعالج المشكلة من جذورها. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.. "يتبع غداً"