قبل عامين، اعتمر الوزير الراحل غازي القصيبي، قبعة الشيف، ليؤكد أن العمل نادلا في أحد المطاعم، صورة مشرفة للشاب السعودي، متمنيا أن يقتدي أبناؤه الشباب به، دخولا في العمل الحر، وتجنبا لما يقال من عيب أو خجل من أي مهنة ما دامت شريفة. وبعد عامين «فبراير 2011»، وبعد أشهر من وفاة الشيف والوزير غازي القصيبي «15 أغسطس 2010»، أضاءت الصورة التي بثتها وسائل الإعلام وقتها على نطاق واسع، ضوءا أخضر لمجموعة من الشباب والصغار لدخول سوق العمل، ومن بينهم صبي لم يتجاوز عمره 12 عاما، ليعمل نادلا في أحد المطاعم الشعبية بمكة المكرمة. واعترف وقتها محمد جابر الودعاني ل«شمس»: «صورة وزير العمل السابق جعلتني أغير قناعاتي تجاه العمل، وألوم كل الشباب القادرين على العمل والذين يتعللون بعدم وجود وظائف ويستسلمون للبطالة». وأشار: «أطبق مقولة خادم القوم سيدهم ولا أجد حرجا في خدمة الزبائن وأتشرف بذلك»، موضحا أنه وصل سنا بإمكانه الاعتماد فيها على نفسه: «رفضت أخذ المصروف من والدي، وفضلت أن أعمل بنفسي وأوفر جميع التزاماتي، والعطلة نصف السنوية فرصة لتحسين وضعي المادي من خلال العمل ولا مانع لدي من تكرار ذلك متى سنحت لي الظروف». الشيف هاني وفيما اقتدى الكثيرون بالشيف غازي، دون أن يظهر أحد منهم في وسائل الإعلام، كان الوعد والاقتداء باديا على أحد خريجي الجامعات السعودية، تخصص تحليل وتصميم أنظمة حاسب آلي، لكن هذه المرة، لم تكن ساحة العمل في الداخل، بل كانت هناك وراء البحار. قاد هاني محمد محمد زين، 31 سنة، خريج جامعة الملك خالد تحليل وتصميم أنظمة حاسب آلي، حب المهنة والشغف بفنون الطبخ لأن يرمي بتفاصيل أنظمة الحاسب جانبا حيث اتجه من مدينة أبها جنوب المملكة التي قضى فيها أربع سنوات من الدراسة إلى أقاصي البلاد اللاتينية ليعمل في بداياته عاملا صغيرا في مطعم بالبرازيل: «عملت في مهن متعددة، فظللت أقشر وأنظف وأغسل وأطبخ وأراقب كل حركة، حتى وصلت مساعد شيف في عقر دار البرازيليين، الذين أعرف أنهم استغربوا طموحي، وآثروا أن أمكث بينهم لمدة عامين». قصة هاني ربما تشوبها الدهشة والدافعية التي جعلت خريج الحاسوب يؤسس مطعما للمأكولات البرازيلية في جدة، وبات شابا يشار إليه بالبنان ويقضي هو واثنان من زملائه جل وقتهم في مطعم صغير في حي السلامة بجدة تعلو طاولاته «قبعات رعاة البقر الشهيرة في الأراضي اللاتينية». ويصنع هاني مأكولات لاتينية تتنوع ما بين المكسيكية والبرازيلية حتى باتت خط ذوق جديدا لموضة الشباب في تناول الأكل الغربي بعد أن كانوا لفترات سابقة يعشقون تراث الأكل الشرقي. تخرج هاني عام 2004 كمحلل ومصمم لأنظمة الحاسب الآلي في جامعة الملك خالد ثم عمل بشكل حر في تصميم البرامج التفاعلية لمدة لا تزيد على 3 أشهر، ولكنه منذ أن كان طفلا يزاحم والدته في المطبخ إلى درجة أنها أبلغته ذات يوم وهو في سن ال15 ربيعا بأنه يجب أن يفتح مطعما في يوم ما، الأمر الذي دعاه لأن يحاكي ما يراه في المجلات والتلفاز من طرق التقديم. كلمات والدته دعته رغم مرور سنوات لأن يترك العمل الحر بعد التخرج، وظل يسافر إلى بلدان عدة، وبعد جلبه خبرات فوجئ بل صدم بأن الفنادق والمطاعم الكبرى لا تعترف بالطاهي السعودي بين أفرادها. يؤكد هاني أن: «تنوع المطبخ البرازيلي جعله غنيا جدا ولا يقارن بأي بلد لاتيني آخر أو حتى أوروبي من وجهة نظري، ووجدت دعما كبيرا لفكرتي الصغيرة من أصدقائي وزوجتي لبدء مغامرة إنشاء مطعم بما أنه ليس لي مكان للعمل في مطاعم الغير». وبعد خبرته في مطعم البرازيل رأى أن ينشئ مطعما برازيليا بالأسلوب المتبع في البرازيل من ناحية الطعم والتقديم وطريقة البيع والديكور وما إلى ذلك. بداية المغامرة كانت مغامرة أن ينشئ هاني مطعما بهذا الأسلوب، وكانت نقطة شك من البعض أن ينجح المطبخ البرازيلي في المملكة، فالبرازيل لا تعترف سوى بكرة القدم والموسيقى. لكن هاني يؤكد أن هذا الأمر لم يشغل باله بقدر ما كانت تشغله: «كيفية تحويل الطعام البرازيلي والصفات التقليدية وإعادة صياغتها حتى يتقبلها المجتمع لدينا، فالميزة التي كان يمتاز بها المطبخ البرازيلي هي التأثير الكبير الذي طبعه المهاجرون العرب في تاريخ الثقافة الغذائية البرازيلية، فلذلك لم يكن صعبا جدا تحويل الوصفات لتناسبنا شكلا وذوقا عربيا، وفي الوقت نفسه شكلا وذوقا برازيليا، وبمساعدة زوجتي، واستحضار ما تعلمته هناك، فنجحنا معا». تشويق المنتج بدايته كانت «بالبيع للأصدقاء والمقربين عن طريق الإنترنت والمحيطين حولنا لمدة أشهر، لنقيس المدى الذي يمكن أن ننطلق منه ونقوم بالتعديل بعد أن نجمع آراء من حولنا، عندما قررنا أن نبدأ المشروع وبدأ عمل دراسة الجدوى، وفوجئنا بغلاء أسعار إيجار الأماكن التي وقع اختيارنا عليها، ووجدنا أن السيولة المالية لا تكفي أبدا». دعم المشاريع يؤكد هاني أنه توجه إلى صندوق عبداللطيف جميل لدعم المشاريع الصغيرة، وحصل على الدعم الذي توافر ووجد دعما كبيرا من الشيخ محمد عبداللطيف جميل حيث قام بافتتاح المطعم بنفسه. انتشر خبر المطعم البرازيلي وHANVIV وهي كلمة مختصر لاسمه واسم زوجته، وتم توظيف عاملين كانوا من الشباب السعودي المنجذب لهذا المجال. إلا أن المشكلة الوحيدة أن: «وجودنا كان داخل مجمع تجاري وعملاءنا هم العملاء الأوفياء للمكان، ولكن كان طموحنا أكبر، لجذب شريحة أكبر من الناس، ثم تم إيقاف نشاط المطعم لأسباب تعود إلى اختفاء أحد مموليه وعدم جدوى وجوده في مول تجاري». وأشار إلى أنه وظف في مطعم فرنسي: «واكتسبت خبرة أكبر، حتى توسعت مداركي في هذا المجال، وأصبحت أعشق وجودي في مهنة الشيف، وتعاملت مع الزيت والنار وما تنتجه الأرض، وكانت سعادتي عندما أقدم أطباقي للناس، وكانت تغمرني الأفراح عندما أجد الإقبال على ما تنتجه يدي». ويتذكر هاني بدايات عام 2010، عندما التقى صديقه مجدي السعدون، وأراد أن يساعده على إنشاء مطعم خاص به، وكان يبحث عن الفكرة، فأراد أن يعيد فكرة المطعم البرازيلي: «عندها أعجب بالفكرة، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن نواصل نجاح فكرة المطعم البرازيلي ونجاح أطباقي التي أعدها بكل شغف وحب لهذه المهنة». ويشير إلى أنه ومجدي أصبحا شريكين وانضم إليهما أحمد مرسي ليعمل في صالة المطعم في المساء: «لنكون فريقا مليئا بالطموح والرغبة في النجاح والفخر أننا ننتج بأيدينا ما يستمتع به الناس». وعن حصوله على إنجازات عالمية أكد هاني أنه تمت دعوته للانضمام إلى الجمعية السعودية للطهاة وأصبح عضوا بها، كما تمت دعوته مؤخرا للمشاركة في مسابقة تدعى TOP CHEF MIDDEL EAST تعرض حاليا على قناة LBC TV اللبنانية, وهي عبارة عن مسابقة بين أفضل الطهاة في الشرق الأوسط تعرض كبرنامج حاصل في الولاياتالمتحدة على جوائز ايمي أووردز، حيث سافر هاني للمشاركة فيها وحصل على مركز متقدم جدا، ورغم أنه شيف غير أكاديمي إلا أنه نافس كبار الطهاة في الشرق الأوسط. ورغم أن هاني حقق حلمه في العمل شيفا، إلا أنه لا زال يحلم مع زوجته وأصدقائه: «بأن يكون لهم مطعم كبير يقدم خدمة أفضل ومنتجا أرقى، وأن يرى طهاة سعوديين ينافسون الطهاة العالميين» .