«الأطفال أيضا ربما يكونون خطيرين جدا».. عبارة تأتي على لسان إحدى الشخصيات لتشرح الثيمة الرئيسية التي يحاول الفيلم العمل عليها ليقدم مقولاته الخاصة عن العبث بمصير البشر في التجارب العلمية، وخصوصا حين يكون الضحايا هم الأطفال بكل براءتهم وجمالهم. فهل ينتج هذا النهج سوى عالم سوداوي يدمر نفسه بأدوات صنع غده؟ تجارب علمية لصناعة الجندي الأفضل تدور أحداث الفيلم حول شخصية الفتاة المراهقة «حنا هيلر» البالغة من العمر 16 عاما، والتي أمضت حياتها منذ ولدت في براري «فنلندا» الجليدية الصعبة بعيدا عن البشر، وتعلمت من والدها «إريك» بأساليب قاسية وتدريبات مؤلمة كيف تكون قاتلة من الطراز الأول! ويرى والدها أنها جاهزة لتنفيذ أولى عملياتها، والتي تتطلب اختراق نظام حكومي أمريكي محمي في أوروبا وقتل مديرته «ماريسا ويجلر»، التي يقول والدها إنها المسؤولة عن موت والدتها. ويرسلها على أن يلتقيا بعد التنفيذ في برلين، وتسير الخطة كما هو مطلوب لكن بتبديل «ماريسا» بامرأة أخرى. وتحتجز «حنا» في موقع محصن للتحقيق معها، لكنها تتمكن من الهرب والاختباء في المغرب عند رجل عربي، وستظهر في أحد المشاهد وهي تتحدث اللغة العربية، ثم تجد نفسها مطاردة من ماريسا الحقيقية، التي تلاحق إريك أيضا. وفي تطور دراماتيكي بالأحداث تكتشف «حنا» أن والدها عميل سابق في الCIA، وأنها ليست ابنة «إريك» الذي هرب بها إلى تلك البقعة النائية بعد أن ولدت في مركز الأبحاث، وهي جزء من تجربة علمية في بحث علمي، حيث يأخذون البويضات المخصبة ويقومون بالتغييرات اللازمة ليحسنوها ويقلصوا في نفسها مساحة الخوف والشفقة ويزيدوا قوة العضلات أي «حواس أفضل لجندي أفضل»، ومن هنا نبقى مع جرعة كبيرة ومبهرة من مشاهد الأكشن والمطاردات، وفي النهاية تتمكن ماريسا من قتل إريك، ولكن تنتصر عليها حنا بقوتها غير العادية. «جو رايت» في تجربته الجديدة هناك العشرات من الأفلام الهوليودية التي تناولت محاولات صنع «المقاتل الخارق» أو «القاتل المتكامل» وقدمها كبار ممثلي أفلام الأكشن، وفيلم «حنا» لا يخرج عن استلهام تلك الثيمة ومقوماتها من أجواء المطاردات والإثارة والعنف التي تغلب على القصة، لكنه يتميز عن ذلك في الكثير من نواحيه، فالسيناريو الذي كتبه «سيث لوتشهيد- ديفيد فار» يقوم على تقديم القصة في غاية الإنسانية، وبتركيز على المفردات الحياتية للبشر، في ظل محاولة من يقف وراء التجربة تشويه براءة الأطفال وبالتالي مستقبل الإنسان، وهو ما عكسته كاميرا المخرج المبدع «جو رايت» الذي قدم رؤية بصرية جديدة متفردا فيها عمن سبقه في هذا المضمار من خلال التركيز على انفعالات الشخصيات وصراعاتها النفسية باستخدام اللقطات القصيرة، ودون استعراض مشهدي للطبيعة وجانبها التأملي، حتى في مشاهد الافتتاحية للطبيعة الجليدية، أما في مشاهد العنف والمطاردات، وهو الجديد على هذا المضمار، فقد تميزت المشاهد برؤية وتوظيف حرفي عالي المستوى لكل عناصر المؤثرات السمعية والبصرية، وباعتماد على الكاميرا الثابتة ودون مبالغات وبهرجات للبطولة الخارقة، لكن من دون أن يتنازل عن كون رؤيته هي صنع فيلم وفق مقاييس أفلام الأكشن، كذلك من خلال التوظيف المدروس للموسيقى التصويرية التي فعلت فعلها في تغذية الحدث الدرامي ورفع سويته وقد وضعها الأخوان «كيميكال»، وفي الأساس أداء الممثلين أنفسهم، وخصوصا الممثلة الشابة الموهوبة «ساويرس رونان» التي قدمت شخصية «حنا» وتألقت بتقمص الشخصية وبالأداء الحركي المبهر والمتميز وهو ما يذكر بأدائها في فيلم «التعويض» الذي استحقت عليه ترشيحا لجائزة الأوسكار. كذلك الأداء الذي قدمته العملاقة «كيت بلانشيت» والممثل القدير «إريك بانا». فيلم «حنا» قرع جديد لناقوس الخطر الكامن في محاولات السيطرة على البشر والتحكم بهم وبمجريات الحياة وطبيعتها، وتذكير بأن من يزرع الريح فلن يحصد سوى العواصف في المستقبل