في مراهقته في نيوزيلندا شاهد بيتر جاكسون فيلم «كينغ كونغ» على شاشة التلفزيون وأعجب به إلى حد أنه قرر ان يصنع فيلماً مثل ذلك الفيلم الكلاسيكي المصنوع في العام 1933م. كان معقولاً ان يفكر جاكسون انه لا يستطيع ان يتفوق على ثلاثيته الهائلة «سيد الخواتم» غير ان هذا ما عمله بالضبط في تحديثه الرائع في «كينغ كونغ» الجديد.. قصة الحب بين القرد العظيم وفتاة المدينة، محيياً بذلك ذكرى الفيلم القديم ومضيفاً إليه وصلات رعب وإثارة جديدة. وما ان بدأ ان هوليوود وصلت إلى هضبة التأثيرات البصرية حيث لا يمكن لفيلم جديد إلاّ ان يزيد على كومة نفس الأشياء دون ان يميز نفسه عن أسلافه المصنوعة بالكومبيوتر يأتي «كينغ كونغ» ليرسم ذرى جديدة لفن رواية القصص رقمياً. باستثناء بعض التأثيرات الخاصة التي تبدو - ويا للعجب - زائفة يقدم «كينغ كونغ» عالماً خيالياً يمزج باتقان بين الأكشن والتصوير الكومبيوتري ومجسمات البلاتوهات وأدوات الديكور السينمائي. وعلى نفس المنوال، باستثناء بعض اللحظات السخيفة التي يهز فيها «كينغ كونغ» مصداقيته حتى ولو كان حول قصة قرود وحشرات ودينصورات عملاقة، فإن وصلات الأكشن تتحدى العقل وبعضهما خيالي كفكرة وتصميم». لقد اعتدنا على رؤية تنوعات أسوأ في أفلام هوليوود من قبل، ومع ذلك فن «كينغ كونغ» هو وحش نادر يدهشنا المرة تلو المرة حيث تأتي كل مطاردة ومعرفة وحركة أشد حدة وتحديثاً من المشهد الذي سبقه. بالتأكيد، ارتكب جاكسون ذنب تكويم الفيلم بأقصى المبالغات بعد المبالغات، مثل الغوريلا المتضور جوعاً الذي يفر ليغزو سوقاً للمنتوجات الزراعية. طول الفيلم الذي يستغرق عرضه أكثر من ثلاث ساعات هو ضعف مدة عرض نسخة 1993م الأصلية. ولعله كان يمكن اقتطاع الكثير من وصلة مشاهد مانهاتن والرحلة بالباخرة إلى جزيرة كونغ. وحتى بعض مشاهد الأكشن هي أطول مما ينبغي ان تكون. ومع ذلك تمر الساعات الثلاث بسرعة نظراً إلى ان كل ما وضع على الشاشة جيد. وبخلاف النسخة المعادة التي صنعت سنة 1976م والتي رفعت القصة إلى الأزمنة العصرية وتسلق كينغ كونغ مركز التجارة العالمي بدلاً من مبنى امباير ستيت، فإن النسخة التي صنعها جاكسون تعيد القصة إلى العام 1933م. القصة: السينمائي الوقح كارل دنهام (يلعب دور جاك بلاك الذي يثبت قدراته الدراماتيكية أكثر مما هو متوقع منه) على وشك ان يتخلى عنه مولوده وهو في طريقه إلى جزيرة سكال ايلاند، العالم الضائع الذي ينوي ان يصور فيه فيلم مغامرات ملحمياً. ويطلق دنهام مجموعة من الأكاذيب لكي يتمكن من تجميع معداته وطاقمه على متن سفينة مهلهلة ستنقل الجميع إلى البحار الجنوبية على أمل ان ينهي عمله قبل ان يتمكن الممولون من وضعه عند حده. وبعد ان تتخلف نجمة الفيلم عن الحضور يلتقي كارل الراقصة العاطلة عن العمل ان دارو (نعومي واتس) التي تثبت أنها لا تقل موهبة عن سابقتها في الفيلم الأصلي فاي راي. يلجأ كارل إلى حيلة ليقنع ان بالانضمام إلى الطاقم ويتمكن من اختطاف كاتب النص السينمائي الروائي المسرحي جاك دريسكول (ادريان برودي صاحب الحضور الطاغي (لإنجاز السيناريو خلال الرحلة البحرية. ويحول النص السينائي الذي وضعه جاكسون مع فران والش وفيليبا بوينز إلى شخصيات أغنى بكثير من نسخة 1933م. وفي جزيرة سكال ايلاند يختطف السكان الأصليون ان لتقديمها كضحية لارضاء الغوريلا البالغ طوله ثمانية أمتار. ولكونه وقع في هوى ان يقنع جاك الآخرين للقيام برحلة لإنقاذها فيقودهم إلى أرض نسيها الزمن ومليئة بالدينصورات والحشرات العملاقة والخفافيش المرعبة ومخلوقات أخرى. وعندما تلتوي الفروع وتنقطع الأغصان قبل الظهور الأول لكونغ تبدأ لحظة التوقعات الكبيرة عند الجمهور. ومنذ هذه اللحظات لا يتوقف الأكشن والدراما. سكان الجزيرة الأصليون مخيفون بشكل شيطاني.. والدينصورات أكثر إخافة والحشرات العملاقة ستجعلك تنكمش في مقعدك.. ومعركة كونغ مع عدد من الديناصورات داخل شبكة من العرائش هو واحدة من أعظم وصلات الأكشن في تاريخ السينما. وبدلاً من عشق كونغ لراي من النظرة الأولى في الفيلم الأصلي، يتوجب على ان تبذل ان جهوداً كبيرة لكسب مودة القرد، فيرفعها سحرها تدريجياً من العوبه إلى صديقته العزيزة. وتتعزز العلاقة عندما يظهر كونغ لينقذها من الدينصورات ثم تتحول إلى حزن وبأس شديدين بعد اخضاع القرد واذلاله وإعادته إلى نيويورك لعرضه في المعارض. القرد المصنوع بالكومبيوتر هو أعجوبة بحركاته وتعابيره التي تجسد الغضب الوحشي والاندهاش الحيواني بل وحتى فكاهته المؤكدة. وقد استطاع صانعو الفيلم افعام الكونغ بحزن عظيم وتعميق احساسه بالوحشة مع تلميحات إلى أنه كان له اخوة ذات وقت ولكنه أصبح الأخير من نوعه. من ضربه على صدره كملك نيويورك على سطح مبنى امباير ستيت إلى آخر نظراته المعذبة نحو ان يبدوكونغ كشخصية حية تتنفس وتتألم. وفي مطلع الفيلم يقحم جاكسون بذكاء ذكر فاي راي ويكرمها في النهاية في النسب مع المخرجين ميريان كوبر وارنست شويد ساك وبقية نجوم «كينغ كونغ» العام 1933م. إلاّ ان الفيلم المعاد الجديد بأكمله يكشف عن توقير جاكسون للفيلم الأصلي. فالعديد من الوصلات والمشاهد بل وحتى الأدوار الدراماتيكية الأصلية مأخوذة مباشرة من النسخة الأصلية التي صنعها شويد ساك وغير شكلها وفقاً لرؤياه الشخصية واتقانه الدقيق كل التقنيات السينمائية التي تحققت خلال الاثنتين وسبعين سنة منذ الفيلم الأول. «العالم كله سيدفع ليشاهد هذا».. يعلنها دنهام في فيلم 1933م وهو يتخيل الثروة التي سيحققها بعرض كونغ. ويحق لجاكسون ان يتوقع نفس الاستقبال لفيلمه الجديد.