لا يغيب عن ذهن أحد، أن الدخول في عالم الأعمال الاستثمارية والتجارية ينطوي على مجازفات، ربما تقل عن تلك المجازفة في حال نوى بعض المستثمرين الدخول في استثمارات غير مضمونة. وإذا كانت لكن هناك رغبة حقيقية لدى قطاع واسع من أفراد المجتمع للاستفادة من مدخراتهم والخروج بأرباح من أي مشروع يمكن أن يشاركوا فيه. من هنا بدأت مهمتي الخاصة، في تقديم نفسي مستثمرة محدودة العمل حتى لا يتسع نشاطي، وأدخل في دهاليز الاستثمار أو أي مناطق محظورة، ولا أعرف كيفية التصرف فيها. بدأت المهمة بالترويج بأنني على علاقات جيدة مع مستثمرين كبار، يتاجرون في بضائع يتم استيرادها من الخارج، ومن ثم يتم تصريفها وتوزيع أرباحها بنسب حسب المبلغ الذي تمت المشاركة به. رسمي ومضمون اسمي رنا، مستثمرة بشكل أشبه بالوساطة لأنني لا أمارس الاستثمار والأعمال التجارية بصورة مباشرة ولكني أنسق توظيف أموال المشاركين مع آخرين، يقومون بأعمال تجارية أكثر تطورا من فكرة «تجارة الشنطة». نجحت في عملية الدعاية التعريفية، وترويج رقم الهاتف على عدد من السيدات، لأبدأ مهمة إقناعهن بالاستثمار معي، ونجحت الفكرة بتلقي أول اتصال من سيدة كان تركيزها على استقصاء شخصيتي ومعرفة أهلي، وما إذا كنت متزوجة أم لا وأين عملت، وانهالت علي بسيل جارف من الأسئلة التي لم أتوقع كثيرا منها، حتى أجهز نفسي للرد عليها، غير أني عاجلتها: «عملية استلام الأموال ستتم بوثائق رسمية من شركة معروفة ولها سجل تجاري»، باعتبار أنني شريكة استثمارية ووسيطة في نفس الوقت بين العملاء والشركة التي أعمل تحت مظلتها بصورة رسمية في نشاط التجارة. لم يبد على حوارها الاطمئنان غير أنني حاولت مجاراتها في الكلام، وأكدت لها أنني قدمت حديثا من مدينة أخرى، حتى أزيح عنها فكرة التعرف إلى الأهل كأحد الضمانات التي تريدها، وأيضا لم يكن ذلك مقنعا بالنسبة لها، ولكنني حاصرتها بأن جميع العمليات التجارية التي نقوم بها رسمية وموثقة وموقع عليها، بل بها البصمة. عندها أخبرتني في امتلاكها 100 ألف ريال ترغب في استثمارها، ولكنني شعرت بأنها ماكرة: «فطريقة حديثها لا يبدو عليها أنها تمتلك المبلغ، ولأنني أخبرتها مسبقا بأنه ليس لدينا سقف أو حدود دنيا لمبلغ الاستثمار، حيث نجمع الأموال ونتاجر بها، ويتم توزيع عائدها بنسبة وتناسب، فإذا كان مبلغها كبيرا ازداد العائد، وبدا لي أنني لن أصل معها لنتيجة نهائية فطلبت منها أن تفكر وتعيد الاتصال بي. نصف مليون التجربة الأولى منحتني ثقة في مواصلة المهمة، رغم حذري الشديد من الدخول في تفاصيل عميقة بحسب ما حاولت السيدة السابقة، ولذلك ركزت تفكيري في تأكيد سلامة الاستثمار معي، وتوفير أي ضمانات وثائقية أو رسمية يطلبها العميل في حالة موافقته النهائية على أن أحدد موعد التسليم والتوقيع بنفسي، بحيث يكون بعد انتهاء المهمة واختفاء المستثمرة المزيفة. لكن يبدو أن الاتصال المهم جاء من رجل عجوز لم يكن ثرثارا، طالبا معرفة تفاصيلي، بقدر ما أرهقني في بحث نوع النشاط الذي يتم فيه استثمار المال، واختصرته في أنه أشبه بتجارة الشنطة: «إننا نستورد بضاعة بمبالغ المشاركين ونبيعها على التجار بأرباح معقولة، ومن ثم يتم اقتسام الأرباح وإعادة رأس المال لأصحابه، وإذا لا قدر الله حدثت خسائر نتحملها جميعا بنفس النسبة، ويمكن في الحالتين حين نربح أو نخسر أن نؤكد ذلك للعملاء من خلال الأوراق والمستندات». اقتنع الرجل وأخبرني أنه جاهز للبدء بمبلغ بسيط، للتأكد من سلامة الاستثمار، وحتى إذا حدثت خسارة لا يكون ضرره كبيرا، ولم أكن أتوقع المبلغ الذي سيبدأ به فقد أذهلني، إذ إن الرجل أبدى استعداده للبدء بنصف مليون ريال. كتمت ذهولي وتماسكت، وانتابني الشك في البداية اعتقادا بأنه يمزح أو يخدعني، ولكنه كان جديا، فهو لم يكف عن توصيتي بالحرص على المال، لأنه تعب فيه وأنه حلال أولاده، وغير ذلك من الوصايا التي استغرقت الجزء الأخير من المكالمة، وطلبت منه الاحتفاظ به، وانتظار اتصال مني أحدد له فيه وقت التسليم وتوقيع الأوراق. تحت البلاطة ساءني أن أجعل الرجل يتفاعل معي، فيما لن أتصل به مجددا، ولكن المهمة تقتضي ذلك، ولعلي نجحت معه، ولن أنجح مع غيره، وفي النهاية ماله معه ولم يصبه شيء. توقعت أن أجد مشقة في التواصل مع الناس في أمر كهذا، ولكن مع كثرة الاتصالات على مدار ثلاثة أيام تأكد لي أن كثيرين يملكون مبالغ لا بأس بها «تحت البلاطة»، ومتى وجدوا ضمانات للانتفاع منها فلن يترددوا في استثمارها. اتصلت بي سيدة مطلقة موظفة، وتمتلك كما يقولون «قرشها الأبيض لليوم الأسود»، وهي لا تحب أن تجازف، فإذا كنت أنا واثقة من أنني سأعيد لها بأرباح مجزية فستشارك، وإلا فأموالها معها. أخبرتها بطبيعة العمل التجاري وقابليته للربح والخسارة، ولكي أحسم ترددها وأعالج مخاوفها أخبرتها بأننا: «بإذن الله سنربح، لأن ظروف الخسارة غير متوافرة، حيث إننا ندرس احتياج السوق جيدا، وننسق مع التجار المحليين حول احتياجهم، ومن ثم نسرع في استيراده من بلد المنشأ فتأتي البضاعة، ونحن نعرف إلى أين تتجه، ومن ثم نسلمها ونتسلم مقابلها المادي، وبعدها نقسمها بحسب مساهمات المشاركين معنا، ونتصل بهم لإرجاعها لهم، ومن يطلب إبقاءها لعملية أخرى نبدأ معه من جديد». اقتنعت السيدة، وأبلغتني أن لديها 10 آلاف ريال ستبدأ بها، إلا أنني أخبرتها بأن المبلغ زهيد، وعائده لن يكون كبيرا، فلا تستغرب إذا ما أعدت لها مبلغا لا يزيد على 11 ألف ريال، أو 12 ألف ريال على سبيل المثال، ولكن إذا كان المبلغ كبيرا فإن أرباحه ستكبر. فكرت قليلا، وأعلنت نيتها دفع خمسين ألفا، فكان ردي: «لا بأس لنبدأ بها معك، واحتفظي بها إلى أن أتصل عليك لاستلامها». استثمار مكافآت وردتني بالطبع اتصالات من بعض الشباب، لم تخل من السخرية والتهكم واتهامي بالنصب، حاولت في بداياتها امتصاص سخريتهم حتى لا يشيعوا فكرة النصابة، ولكن لم يتركوا لي مجالا، بل خرجت الاتصالات كثيرا عن سياق الاحترام، والأدب، فاضطررت إلى إنهاء المكالمات من هذه النوعية. طالبة الجامعة مع ذلك كانت أجمل المفاجآت من طالبة جامعية من أسرة فقيرة، كانت تدخر مكافأتها من أجل أن تساعدها عندما تحتاج لمبلغ من المال, حييت فيها روحها الجميلة وسعيها لتوفير مبلغ من المال تنتفع به للظروف، وكان لديها 20 ألف ريال: «ألم تفكري في طريقة أخرى للاستفادة منها؟». أجابت: «حاولت عن طريق الجمعيات، ولكنني لم أنتظم لظروف خاصة، فاضطررت كثيرا للانسحاب حتى لا أحرج نفسي، وعندما علمت بما تقومين به وجدتها فرصة لزيادتها والاستفادة منها». «لا بأس، وإن شاء الله تعود لك بمبلغ أكبر، فقط انتظري اتصالا مني لاستلام المبلغ»، هكذا أنهيت مكالمتي معها، فلم أرغب في التواصل كثيرا معها لشعوري بالإشفاق عليها، فهي على ما يبدو طموحة ومكافحة، ومن الظلم العبث بأحلامها البسيطة، وتصوير أن الأمر حقيقي، وسينجح ويحقق لها أحلامها، وكثيرون على ذات الوضع يرغبون في تنمية القليل مما لديهم، ولكن أكثرهم يخشون النتائج السلبية بتعرضهم لنصب واحتيال، يلتهم مدخراتهم التي تعبوا في الحصول عليها. ثقة مفتوحة في موقف آخر كانت هناك موظفة بشركة كبيرة لم يحالفها الحظ بالزواج، تدخر مبلغا كبيرا؛ لأنها تعمل في وظيفة كبيرة، ولديها راتب كبير، فيما ليست لديها التزامات أو مسؤوليات، تستهلك منها الكثير، أخبرتني أنها تعرضت لضربات موجعة سواء بالاقتراض منها وعدم استرجاع أموالها، أو بالدخول في جمعيات وتهرب المشاركين من سداد مستحقاتها، وهي وجدت أن استثمار فلوسها معي محاولة أخيرة للاستفادة من أموالها بدلا من تعطيلها، وإن لم تخف قلقها من النصب، حيث كانت كثيرا ما تردد التعرض للنصب بأشكال وألوان، وتحكي لي عن مواقف لزميلاتها تعرضن فيها لعمليات احتيال متنوعة، وهي لا ترغب في خوض التجربة دون ضمانات. كان مبلغها 300 ألف ريال وهو جزء مما لديها، فهي لا ترغب في أن تغامر بكل ما لديها، فإن نجح العمل معي، ففي المرة التالية سترفع المبلغ. اجتهدت معها في توضيح الضمانات وأسلوب العمل، ومع ذلك ظلت مترددة كثيرا، وحاولت طمأنتها بأن أموالها ستكون بخير حيث: «إننا نلعب على المضمون في استثماراتنا، وهناك أسر كبيرة تستثمر معنا». اختلقت لها قصصا مثيرة عن نجاحات مزعومة، لم نتعرض فيها للخسارة أبدا، وفي النهاية اقتنعت ووضعتها في ذمتي قبل أن تنهي المحادثة، وبدوري أكدت لها أن حقها لن يضيع وأنه في أيد أمينة، وما عليها سوى الانتظار نحو شهرين أو ثلاثة لانتهاء العملية التجارية المزعومة. رصد المبالغ كثير من المبالغ لم تخرج عن نطاق 50 أو 100 ألف ريال، باعتبار أن كثيرين يفضلون البدء بمبالغ قليلة دون المغامرة بكبيرة، وكان ذلك من حقهم فالحذر واجب، ولكن بعضهم استسهل المحاولة، وبدا غشيما، وبإمكانه الدفع دون الحصول على أي ضمانات، وللأسف كانت مبالغهم كبيرة، وأغلب المشاركين سيدات، حتى إنه لم يكن من بينهم رجل، والبقية فتيات وموظفات في شركات كبيرة. أيقنت أنه لو بادر بهذا الأمر نصاب محترف فسيلتهم أموال هؤلاء بسهولة، لأن الثقة المفتوحة متوافرة بكثرة، وكذلك النيات الطيبة التي يمكن معها نهب أموالهم بسهولة لدى كل عديم ضمير. انتهت المهمة بإغلاق باب الاتصال والتواصل، والرد بأن الرقم خاطئ، وفي نفس الوقت عدم الاتصال بأولئك الذين ينتظرون اتصالي لتنسيق استلام أموالهم، فهم ينتظرون وأنا غادرت بالعودة إلى الحقيقة، وتركتهم مع طموحاتهم وأحلامهم.