لم يكن الحدث الذي شهده مجلس الشورى أمس اعتياديا، إذ وجد الأهالي ربما غايتهم في الاقتراب من صنع القرار، والوصول إلى لجان الشورى لعرض اقتراحاتهم بما يفيد المجتمع. وأمس كان اليوم الموعود، وإن كان لا يرتقي في نسخته الأولى لوضعية بعض الفئات خاصة الشباب الذين اعتبروا وجود لجنة مختصة باسم «لجنة حقوق الإنسان والعرائض»، ترفع سقف التلاحم بين أعضاء الشورى والمواطنين بما يسرع من وتيرة الاستماع للمطالب والمظالم، ما يحقق الهدف العام، المنشود الذي لا يخرج عن الرفاهية للمواطنين واكتمال منظومة الخدمات. اليوم الأول في 7 مارس من العام الماضي، أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في ثنايا الخطاب الملكي السنوي الذي ألقاه في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى «يجب أن يكون المجلس قريبا من المواطن وأن يرفع أعضاء المجلس ما يرون فيه مصلحة الوطن والمواطن». وكانت هذه الكلمات الأجندة التي سارع مجلس الشورى بوضعها محل التنفيذ، وحسب رئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ «مكنتنا التوجيهات الكريمة من البحث في هذا الإطار عن وسيلة تمكن المواطن في الوصول إلى مجلس الشورى، ولا يكتفي بإرسال رأيه مكتوبا أو عن طريق البريد الإلكتروني، فنشأت فكرة أن يلتقي المجلس بالمواطنين الذين قدموا العرائض للمجلس، وأن يلتقوا برئيس وأعضاء اللجنة المختصة في المجلس، وهي لجنة حقوق الإنسان والعرائض». اللجنة الجديدة تسمى لجنة حقوق الإنسان والعرائض، التي تعني حسب تأكيدات آل الشيخ «التواصل مع المواطنين، ونقل رغبات المواطنين وشكواهم واقتراحاتهم». وأمس كان الواقع يفرض نفسه، دخل عدد من المواطنين على مجلس الشورى، عرضوا مطالبهم أمام رئيس المجلس واللجنة المختصة التي حسب آل الشيخ «لا يعني أنها اللجنة المعنية، بل ستعمل على التواصل مع اللجان المختصة في المجلس، وإحالة أي قضايا لتلك اللجان وتدرسها وترفع بها تقريرها أو توصياتها». ماذا قالوا؟ يرى عدد من الشباب الذين التقتهم «شمس»، أن المطالب الأولى التي عرضت على المجلس، ربما لم تنضج جيدا «لكنها الخطوة الجديدة التي كنا في حاجة إليها، واليوم نراها أمام أعيننا، تصل إلى صناع القرار». وكانت الاقتراحات الأولى اشتملت على صرف رواتب التقاعد لعدد من العسكريين الذين لم يتم تسليمهم رواتبهم بعد تقاعدهم. وهنا يتدخل عمر الرشيدي «من حق فئة المعاشيين أن يصلوا إلى المجلس لعرض المطالب، لكن هذا الأمر ربما لا يقود إلى تنفيذ مطالب الشباب الذين في حوزتهم الكثير من الاقتراحات، بما ينعكس عليهم إيجابا، وينعكس على مشاركتهم الفعالة في بناء المجتمع». لكن المتقاعد عسكري نافع العنزي يرى أن ما تم عرضه يتضمن اقتراحا بإصلاح أوضاع عدد من العسكريين «الذين خدموا فعليا في قطاع الحرس الوطني لمدد تصل إلى ما بين 25-35 عاما، ولكن عندما أحيلوا للتقاعد في عام 1427ه لم تصرف رواتبهم التقاعدية منذ ذلك التاريخ، رغم صدور قرار مجلس الشورى رقم 62/62، إلا أن التطبيق تم على فئة دون أخرى، لذا جئنا نطلب من مجلس الشورى العمل على تحقيق العدالة في صرف رواتبنا التقاعدية». وسرعان ما أكد رئيس المجلس آل الشيخ أن «الدولة حريصة على أن يعيش أبناء الوطن حياة أفضل، وأن قرارات مجلس الشورى بهذا الشأن ستناقش مع اللجنة المختصة للوصول إلى حلول أو قرارات لرفعها للمقام السامي». قياس الرأي ولم يتوقف الأمر عند مطالبات فئة من العسكريين، بل امتد للشأن العام، عبر اقتراح قدمه المواطن عبدالرحمن القاضي «يجب أن يتم إنشاء وحدة لاستئناس آراء المواطنين بخصوص عدد من الموضوعات التي تهم الوطن والمواطن، وأن يعمل مجلس الشورى على تحقيق هذا المطلب، كي يكون نواة لقياس آراء المواطنين حيال القضايا والمشاكل التي تحتاج إلى قياس رأي قبل الشروع في دراستها من قبل مجلس الشورى ورفع تقريره للمقام السامي». ورحب المواطن الدكتور معيض آل كاسي بمبادرة مجلس الشورى في استقبال المواطنين والتحدث إليهم بشأن قضايا هامة وتعنى بحياتهم بشكل مباشر «هي خطوة مباركة، يجب أن يتم تفعيلها بالشكل المطلوب». البطالة أولا لكن البطالة وما فيها كانت حاضرة في اليوم الأول في الجلسة الأولى للجنة الحديثة في مجلس الشورى، حيث شدد الدكتور عيسى الشامخ على أن «ملف البطالة لم يعط الاهتمام اللازم، ويجب أن يكون تحت ملاحظة المجلس بشكل مستمر، حيث يوجد في البلاد ثمانية ملايين عامل وافد، والجهات المعنية تشير إلى أن مخرجات التعليم ليست مناسبة لسوق العمل، فيما العمالة الوافدة عمالة أمية وتتعلم المهنة في المملكة، ويجب أن يتضمن راتب أي موظف في القطاعين العام والخاص والمتقاعدين عددا من البدلات، تشمل بدل السكن والنقل والعلاوة السكنية وبدل التأمين الطبي، خاصة أن البطالة تزداد يوما بعد يوم، ومن يحصل على عمل براتب 1500 ريال، سيترك العمل لعدم توفير احتياجاته الحياتية، كما أن بدل السكن يجب أن يُتضمن في الراتب لأننا لن ننتظر أن توزع الهيئة العامة للإسكان الوحدات السكنية على المواطنين، التي قد تتأخر وتطول». بسطات لا تكفي وفيما كان مشهد البطالة حاضرا بقوة أمس، برز أيضا على طاولة اللقاء في لجنة العرائض، التي كانت برئاسة رئيس اللجنة الدكتور مشعل آل علي، ملف إسكان الشباب، بالإضافة إلى توفير بسطات يسترزق من خلالها الشباب، وزيادة رواتب القطاع الخاص، وتوفير الدعم الكافي للمقبلين على الزواج، ومسألة رفع الإيجارات والابتزاز من قبل بعض التجار. كما شدد عدد من الشباب على أن الموضوعات التي تم عرضها تمثل هموم الشباب السعودي، إلا أن ما تطرق له بعضهم بخصوص استيعابهم في البسطات لا يمكن أن يكون واقعا رئيسيا يحقق غاياتهم وآمالهم، التي تتسع في الأفق العام، لكنها تتعلق بوظائف عملية لا يمكن أن تنحصر في بسطات. وحسب فهد العامر فإن معالجة البطالة من بوابة البسطات، لا تتناسب مع مخرجات التعليم «كيف يمكن أن تتبلور مطالبة بهذا الخصوص في المجلس، التي قدرنا أنها تتعلق بفئة غير المتعلمين، إلا أن إحصاءات البطالة الأخيرة تشير إلى أن الارتفاع يخص فئة المتعلمين وأصحاب الشهادات الجامعية، للجنسين، فكيف يمكن أن تصل الصورة بهذا الشكل للمجلس». ودعا ماجد الرشيدي إلى تفعيل دور الشباب «خاصة الذين أكدوا عبر التطوع في المجالات الخدمية، وكرمهم على سبيل المثال أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل، الذين عكسوا رغبة واضحة في توصيل الاقتراحات بوضوح، ما يجعلها يمكن أن ترتقي إلى اقتراحات واقعية تصل فائدتها إلى العدد الأكبر من الشباب». وأشار عمران الخالدي إلى أن اللجنة بشكلها الحالي تعني بكل الاقتراحات، لكن: «وقت المجلس غال، وعلينا ألا نهدره فيما لا يمكن الاستفادة منه في الوقت الحالي، فالبسطات لا تخص إلا فئة محدودة لا يمكن أن تمثل جوهر الآمال والطموحات التي يسعى لها الشباب الحريص على تنمية بلاده، ويعرف مدى حرص ولاة الأمر على توفير ما فيه مصلحة المجتمع» .