ليس مقصودنا في الحديث عن التغيير التربوي ذلك الذي تضطلع به المؤسسات التربوية التعليمية الرسمية في الدول ، كالمدارس والجامعات والمعاهد العلمية ، وإنما نقصد في هذا البحث التغيير الذي تتبناه فصائل الصحوة الإسلامية ، والذي يُقصد به غرس القيم والمبادئ والأسس الإسلامية في نفوس الأفراد ، والقضاء على الأمراض النفسية والمجتمعية المتأصلة فيها ، وتغيير السلوكيات المرضية التي ربما نشأت عن طريق التفاعل السلبي مع عناصر المجتمع المختلفة والتخلي عن مبادئ الإسلام لفترة من الزمن ؛ بغرض إنتاج أفراد أسوياء مؤهلين لقيادة الأمة ومزاولة أصناف التغيير الأخرى التي لم يحن بعد دورها. ولكن لماذا هو الأصعب؟! هذا النوع –التغيير التربوي- هو أصعب أصناف التغيير التي سبق ذكرها ؛ إلا أنه أنجحها وأنجعها على الإطلاق ، وتكمن صعوبته في عدة أسباب : اولها لأن عملية التغيير التربوي تعالج النفس البشرية ، وتستهدف إحداث تغيير في سلوك الفرد أو مجموعة من سلوكياته ، ولا شك أن النفس البشرية هي الأصعب ، سواء في التعامل أم في عملية التغيير. ولأن عملية التغيير التربوي عملية طويلة المدى ، قد تستغرق من حياة المربي سنين طويلة في حالة المتربي الواحد ، وعقودًا أطول في حالة تغيير المجتمعات الكبرى. ايضا عملية التغيير التربوي تحتاج إلى تفرغ شبه كامل من المربي لإحداث الأثر المرجو ، فانشغال المربي بالدنيا وسعيه لإدراكها والتنعم بزينتها قد يفسد العملية برمتها ، وقد يكون ذلك حجر عثرة في سبيل استمرار عملية التغيير بوضعها الراهن ؛ لذلك فإن المربي نفسه ينبغي أن يكون على استعداد تام للتضحية بحياة الرفاهية التي قد يطلبها البعض ، وعلى المؤسسات الدعوية أن تضع في حسبانها منهجًا جديدًا في التعامل مع مثل هذه القضايا ، وقد يكون مشروع كفالة المربي من فروض الكفايات شأنه شأن كفالة اليتيم وكفالة طلبة العلم ، بل قد يكون في بعض المواضع أولى من كفالة طلبة العلم وحَفَظَةِ كتاب الله تعالى. ومن الأسباب ايضا قلة الكوادر التربوية وندرتها على مستوى العاملين للإسلام ؛ ف(الناس إبل مائة قلَّما تجد فيها راحلة) ، فعلى تعدد فصائل الصحوة الإسلامية وتنوعها قلما تجد عالمًا ربانيًا عاملاً يربي الناس على صغار العلم قبل كباره ، ويراعي ما بينهم من فوارق اجتماعية واقتصادية وعقلية ، ويرسخ فيهم العلم والعمل والأدب ، ويعلهم الإيمان والقرآن معًا ، بل الغالب هو حشو الأدمغة بالمعارف والعلوم ، وتصدير الشباب اليافعين للعمل الدعوي والسياسي قبل تمام النضج ، والتجرؤ على النقد اللاذع الهدّام للحركات وتكريسه بل والحث عليه وجعله ديانة يتقرب بها الداعية إلى الله زلفى ؛ هذه الحالة من التناقض نلمسها في بعض الأدبيات الدعوية التي تؤصل. إن العبرة بالنتيجة النهائية ، فالأفراد الذين تتم تربيتهم والاهتمام بهم من جميع جوانب الصقل وتنمية القدرات وزرع الأخلاق والقيم ليسوا كغيرهم من الذين يُهتَم بإنمائهم في أحد الجوانب وإهمال بقيتها ، أو أولئك الذين يتم تكليفهم بالمهام السياسية والدعوية بمجرد انتمائهم للحركة أو بعد مرور مدة لا تتناسب والقدر الكافي من التحصيل العلمي والأخلاقي والإداري ، فهذا من شأنه أن يحدث تشوهًا فكريًّا لدى الأفراد قد لا يمحوه الزمان ، ورغم هذا الضرر إلا أن الفطرة البشرية العجولة تأبى إلا الانسياق وراءه والافتتان به ؛ (وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً) ؛ ذلك أنه لا يعرف مصائر الأمور وعواقبها ، وقد يفعل الفعل ويعجل به على نفسه وهو لا يدري ، أو يدري ولكنه لا يقدر على كبح جماح تطلعه وضبط زمامه.