منذ سنة تقريباً لم أتجول في مدينة جدة ، زياراتي لها كانت خاطفة ومستعجلة بحكم عملي في الدمام ، هذه المرة جئت أول أمس مستعجلاً كما هي العادة ، أريد أن أذهب لأداء العمرة فقط ، قالت لي (أم عبدالله) : لابد أن آخذك في جولة على الكورنيش الجديد ، أريد أن أريك ماذا فعل خالد الفيصل في جدة ، خرجنا من منزلنا في حي الصفا إلى شارع التحلية (شرق غرب) ، وعند تقاطع شارع الأمير ماجد مع التحلية ، انعطفنا يميناً وعبر شارع الأمير ماجد بجسوره وأنفاقه الجديدة ثم عبر طريقي المطار فالسلام ، لم نتوقف إلا على الرصيف الجديد للكورنيش الجديد ، ترجلنا من السيارة ودخلنا الكورنيش ، كان مزدحماً بالناس ، رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً ، الغالبية يمشون ويتجولون ، وبعضهم يجلس على النجيلة الخضراء ، وبعضهم على المقاعد الجديدة المُعَدّة للجلوس ، وكان منظر النوافير الجديدة من البحر رائعاً ومغرياً بالتأمل والاستمتاع ، كان الكورنيش الجديد مبهراً وأخاذاً ، وبصفتنا الاثنين من (السكريين) ، بدأنا رحلة مشي طويلة ، نسينا طول المسافة التي قطعناها ، بسبب جمال المنظر وروعة الطقس وكثرة الناس ، وأثناء هذه الرحلة احتجنا (دورات المياه) ، لكن مع الأسف (الزين ما يكمل) ، كلما توقفنا عند مبنى دورة مياه و(كلها مبانٍ أنيقة) وجدناها مغلقة ، ما السبب؟ الله أعلم. يبدو أن أمانة جدة تنتظر أن يعيد مجلس الشورى النظر في التوصية التي أسقطها منذ أسابيع خجلاً من بعض أعضائه ، وترفعاً منهم عن أن يوصوا بمثل هذا الأمر الضروري البديهي في حياة الناس ، وكأنهم لا يعيشون معنا في الوطن ولا يعرفون أن هذه من الأولويات المهمة وليست مخجلة. انبهاري بالكورنيش الجديد ومشروعات الجسور والأنفاق لم يكدره سوى هذه النقطة ، غادرنا الكورنيش منبهرين حامدين الله على هذه النعمة التي غيرت وجه عروس البحر الأحمر ، ومازالت تغير. ومتى انتهت مشروعات شوارع جدة ومطارها الجديد وسكة الحديد ، فلن نجد مَنْ يشغلنا ب (دبي) ولا غيرها. (الأبراج أكثر من أن تعد على كورنيش العروس) ، لاسيما إذا تم تتويج ذلك بكاميرات (ساهر) في كل شارع وسكة ، وتعلقت ابتسامة عريضة على كل وجه مَنْ يعمل في المطار. قلت ل (صالحة) : هذه المشروعات التي جعلت من جدة ورشة عملٍ لا تهدأ ، والتي بدأ الناس يقطفون ثمارها الآن ، لم تبدأ إلا منذ ثلاث سنوات تقريباً أو نحوها. قالت : ليت خالد الفيصل جاء هنا منذ عشرين سنة ، قلت : يا ليت ، ولكن مع الاعتراف بالفضل الكبير للأمير ، هذا فعل عبدالله بن عبدالعزيز ، الأمير خالد وأهل المنطقة وضعوا الخطط والمطالب والمليك توجها بالموافقة والدعم ، فاكتمل الفعل وهو فعلٌ لا يخص جدة وحدها ، فمنذ أن بدأ عهد (أبو متعب) الميمون ، تحولت المملكة كلها إلى ورشة عمل ، فمثل ما يحدث في جدة ، نراه في الدمام ، والمواطنون يرونه في كل مدن المملكة الرئيسة ومحافظاتها وقراها ، فليس هناك شبرٌ في المملكة لا يرى نهضة تنموية كبيرة. الناس في السنوات الأربع الأخيرة كانوا متضايقين من كثرة هذه المشروعات ، التي شعروا معها بأن المدن تختنق ، لكنهم الآن بدأوا يجنون ثمارها ، كما نرى في جدة الآن ، حيث شعرنا ونحن نتجول في الكورنيش ، وكأننا في أحدث المدن الأوروبية ، وكل الملاحظات التي رأيناها ورآها غيرنا هي في طريقها للانتهاء. قبل أن أختم ، لابد أن أهنئ سكان جدة ، وأشكر أمانتها ، أما الأمير الشاعر الإداري الناجح المنتج ، وصاحب الإرادة الصلبة والطموح المتوقد ، فهو لا يستحق الشكر والثناء فقط ، بل لابد أن أقول له إن ملامح العالم الأول بدأت تطل من على شاطئ العروس وقلبها ، وهذا الفعل النابه على الأرض هو الذي سيبدد الإحباط الذي كنت تشكو من انتشاره يا أمير ، فهم يرون أفعالاً تتوج تلك الوعود ، وسيرون قريباً أكثر. وأخيراً ، فكأني بالأمير خالد الفيصل (إن قرأ مقالي هذا) وهو يقول مبتهلاً إلى الله : حفظك الله يا أبا متعب ، وأطال عمرك ومتعك بالصحة ، وأنا أقول (آمين).