سبحان الذي يعطي ويأخذ ، ويُضحك ويُبكي ، ويمنح ويمنع. وما أعطي الإنسان بعد الإيمان الصادق نعمة أجمل وأعظم من الصحة والعافية. والمحروم من لم يقدر لهذه النعمة قدرها فيزدريها ، ويرى أن المال هو الأولى بالعناية والمكانة طلباً وسعياً وبحثاً. ولئن كانت صحة الأعضاء نعمة عظيمة القدر كبيرة الأثر ، فإن صحة العقول والنفوس تفوقها قدراً وأثراً وفضلاً. بالعقل تستقر النفس ويصح الجسد ويُدرك العلم وتُكتسب المهارة ويرتفع قدر الإنسان. ولذا فإن مرضى العقول والنفوس في ضيق شديد وبأس عظيم لا يعلم مداه إلاّ ذوو البصائر اليقظة والضمائر المنتبهة. وكثير من الناس تحسبهم أصحاء جسدا وعقلا، وهم ليسوا كذلك ، ففي الأعماق أسرار علمها عند الله. وأشد هؤلاء من يعاني من أسقام النفس التي قد تخفى على الناظر البعيد ، لكنها تظهر للصديق والقريب. وهذه دراسة علمية وطنية موثقة أجريت على أكثر من 68 ألف شخص في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، أجرتها إدارة خدمات الصحة النفسية ، ونُشرت نتائجها في 19 يناير الحالي. وطبقا للتعريف العلمي المعتمد من الجمعية الأمريكية للطب النفسي ، فقد تبين أن 20% من الأمريكيين عانوا من أمراض نفسية متفاوتة عام 2010م ، أي واحد من كل خمسة. وفي التفاصيل ما هو أشد وأدهى ، إذ ترتفع هذه النسبة بين الفئة العمرية (18-25 سنة) إلى 30% ، أي أن 3 من كل 10 شباب أو شابات في ذلك السن مصابون نفسيا ، وتنخفض النسبة لدى الكهول (50 سنة أو أكثر) إلى حوالي 14% فقط. وليس عجبا أن تسري هذه الظاهرة إلى المجتمعات الأخرى المعاصرة ، وإن بنسب متفاوتة. لكن لا خصوصية تحمي أي مجتمع لحد الندرة كما يزعم البعض. أمر مهم آخر هو أن كثيراً من هذه الأدواء النفسية قابلة للعلاج والشفاء ، كما هو حال كثير من الأمراض العضوية. لكن يبقى الشروع في التشخيص ثم وصف العلاج هو الطريق الأقصر المناسب الصحيح ، وهو البديل عن الاكتفاء بإلقاء اللوم على مسببات غيبية مجهولة قد تصح وقد لا تصح. اللهم عافنا في الأبدان والأذهان.