يحلو لنا عندما يلف حبل الجحود والنكران اعناقنا ان نتذكر الوفاء والأوفياء فنسرف في الحديث عنهم حتى اننا نحيلهم الى اساطير وخرافات غير موجودة في عصرنا المادي . وقد سمعت رأياً غريبا لواحد من فلاسفة هذا العصر قال فيه: (انني كلما ازددت معرفة بطبائع البشر ازددت حباً للكلابَ) . وهذا الرأي يقطع كل امل في طبائع (الخير) لدى البشر ويسعى لتكريس طبائع (الشر) فيهم مما يحيل العلاقة بين البشر الى نوع من الخوف والشك والجحيم المتواصل. واذا اضفنا لهذا الرأي بعض الأمثال والأقوال القديمة. التي رويت عن العلاقة بين الأصدقاء وبعضهم البعض نجد أن هناك محاولات لشرخ صور الوفاء عند الإنسان. ومن هذه الأمثال والأقوال نتذكر على سبيل المثال: احذر عدوك مرة. واحذر صديقك الف مرة , ويا رب احمني من اصدقائي اما اعدائي فأنا كفيل بهم .. ولسنا هنا بصدد الاسترسال في موضوع الوفاء والأوفياء ، وموضوع الجحود والنكران ، وصداقة الأعداء ، وعداوة الاصدقاء فهذا الموضوع يعتبر الخوض فيه مثل الخوض في اعماق البحار ، او مشاهدة الريح وعد النجوم. وامامنا دائما أمثلة جاهزة لعداوة الاصدقاء .. والتحذير من (شرورهم وبطشهم ونواياهم) بينما تخلو قواميسنا الكلامية من وفائهم ، وتضحياتهم وكأن القاعدة في الاصدقاء (الخيانة) .. والاستثناء (الوفاء) كم يربح الانسان لو يتفرغ هواة التاريخ ، ومحبو التراث لنبش (صور الوفاء) من قلب الماضي واخراجها من جحود الحاضر ليشعر هذا الإنسان ببعض الطمأنينة وهو يعلن اعتزازه بأصدقائه ، ويكون في استطاعته بعد ذلك تحديد معالم (الأعداء) وملامحهم في الوقت المناسب ، والمكان المناسب. إن قنبلة الفيلسوف لو انفجرت في وجوهنا فإنها ستجعلنا نعيش جحيما دائما.