غطّت الصحف (3 نوفمبر) محاضرة وزير العدل في الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة. لا خلاف على أهمية المحاضرة، ولا على بلاغة المحاضر، وجودة إلقائه، وحُسن تمكّنه من اللغة، وعميق معرفته المسبقة بالقضاء ومعضلاته. ولا خلاف على أن كل الجهات المعنية بالقضاء (خلال العامين الأخيرين) مصممة على تحسين أداء هذا المرفق المهم، ابتداء بالوزارة ومحاكمها، ومرورًا بالمجلس الأعلى للقضاء، وانتهاءً بالمحكمتين الإدارية والعليا. الخلاف محصور في وتيرة التطوير، وآليات التحسين، ومدى التناغم بين الأحكام الصادرة في القضايا المتماثلة، أو مدى التباعد، أو التناقض من حيث شدتها في جانب وتراخيها في جانب آخر. وفي المحاضرة ذكر معالي الوزير أن غالب ما يُؤخذ على قضائنا مصدره منظمات حقوقية تنشر تقاريرها ولا توثقها، ومع هذا فهي لا تناقش في تقاريرها شيئًا يتعلق بالنزاهة، بل غالبه الأعم في شؤون إجرامية. هذه الجزئية مهمة جدًّا، ولو نظرنا إلى الجزئية الأخيرة منها لكفى بنا لومًا لأنفسنا لأن هذا هو الجانب الأبسط، فلماذا تمر علينا سنوات تليها سنوات، ونحن نشكو من الشؤون الإجرامية التي يُتفق على أن التطويل فيها دون مبرر هو سمتها الأعم، خاصة في قضايا لا تستحق كل هذا التأخير الممل الذي يدخل ضمن ما أسماه الوزير (عدالة بطيئة كجور مجحف)، ولم ينتج عنه سوى تراكم القضايا، وتباعد المواعيد، واغتباط المماطل وتنغص المظلوم؟ هذه واحدة، وأمّا الأخرى فموضوع ابتسار تقارير المنظمات الحقوقية، وهو ما أظنه راجع إلى عدم توفر المعلومة الوافية، فجلسات التقاضي دائمًا مغلقة، بل إن بعض القضاة يصر على إخراج (أو طرد) المحامي، فكيف بمندوبي منظمات حقوقية أجنبية! وحتى الطرف الأضعف لا يصل صوته إلى أبعد ممن حوله خوفًا من طائلة اتهامه ب (العمالة) للأجنبي أو الشكوى ل (حقوقي)، أو الاعتراض ضد حكم (رباني). التقارير الكاملة غير المبتسرة تتطلب حدًا أدنى من الشفافية لا يتوافر حاليًّا في محاكمنا، وربما تحقق لاحقًا بعد إجراءات التطوير المأمولة التي طال انتظارها. شكرًا لمعالي الوزير محاضرته القيمة، ولمعالي مدير الجامعة الإسلامية استضافته للمحاضرة القيمة.