تركت العاملة المنزلية بيت الأسرة بدون إذن ولا استئذان ، هكذا فجأة وبدون سابق تحذير ولا إنذار، فكان وقع ذلك على أفرادها كئيباً أليماً. اضطربت الحياة في المنزل بعد خروجها ، وساء المناخ ، واهتز النظام ، واختلت النظافة ، كثر الزلل ، وبان الخلل . توقفت المكنسة عن الضجيج ، صمتت الغسالة عن الهدير ، تجمدت المكواة ، استراح الموقد ، وانعدمت الحركة في المطبخ ، فارتج على أفراد الأسرة هذا الحال ، وساءت عليهم الأوضاع . المفارش غير منظمة ، والملابس ليست مرتبة ، أدوات ملقاة ، وقطع مبعثرة ، ومخلفات هنا وهناك ، روائح تزكم الأنوف ، ومناظر تزعج النفوس . أفصح غيابها عن مهاراتهم الحياتية ، وانكشفت قدراتهم الشخصية ، وبان عوارهم ، واتضحت علتهم ، فإن اتكالهم على غيرهم ؛ أصابهم بالشلل والإعاقة . أصبحوا كالضائعين ، التائهين ، الحائرين ؛ لا يدرون ماذا يصنعون ، ولا كيف يعملون . سارعوا في البحث عن عاملة منزلية أخرى ؛ تتولى قيادة المعيشة ، وتعيد النبض في الأجساد المترهلة ، فكان اهتمامهم يتجه إلى استرجاع عباءة الترف ، وتاج الرفاهية . العاملة المنزلة مصيبة بيننا ، وكارثة على أبنائنا ، وهي التي علمتنا الاعتمادية ، وربتنا على الاتكالية ، ولن نجني منها سوى العجز والكسل ، والنقص والفشل . فإلى متى نغفل عن توزيع المهام المنزلية بين أعضاء الأسرة الواحدة ؟! وإلى متى نبقى نعتمد على غيرنا في أبسط شؤوننا ، وفي أهون أمورنا ؟! جده