في القرآن الكريم (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، وفي الحديث الشريف «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل»، وكذلك «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، ومعنى الإتقان والإحسان يكاد يكون واحدا، وهو أرفع مراتب الإسلام، وتعريفه عن النبي عليه الصلاة والسلام «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك». والعبادة ليست مقصورة على الشعائر فحسب، فتلك فرائض إسلام ولكنها تشمل كل قول أو فعل في حياة الإنسان، ولذا كانت المعاملة دينا، والإحسان أعلى في الدرجات. في اليابان تسود ثقافة «الكايزن» وتعني أي بعبارة أخرى: «التحسين المستمر» للوصول إلى إتقان، لكنه يعتمد على عمل لا يتوقف بنسب صغيرة «وإن قل». هذه الثقافة هي بقية مما سعى عالم الإدارة الأمريكي «ديمنيغ» أيام الحرب العالمية الثانية إلى استخدامه لتحويل الاقتصاد الأمريكي إلى اقتصاد يدعم الحرب. حين احتلت الولاياتالمتحدةاليابان كان لابد من إشغال الناس حتى لا تكون هناك مقاومة وعصيان مدني فطبقت القوات الجوية مفهوما وطبق الجيش مفهوما آخر يستندان إلى ثقافة «ديمنيغ» الإدارية. نسي الأمريكان هذه الثقافة وطورها اليابانيون حتى غدت منهج حياة لهم يعبر عنه مصطلح الكايزن. من أهم ما يقوم عليه هذا المفهوم أنك حين تواجه مشكلة فابحث عن السبب الجوهري الذي أوجدها، حتى تصل إلى الحل، ويجب أن تظل تطرح سؤالا واحدا: لماذا...، مرة بعد مرة بعد مرة حتى تصل إلى السبب الذي أوجد المشكلة. إن كان لدينا الجرأة والشجاعة والاستقلالية كي نظل نطرح سؤالا كهذا بدون توقف حتى نصل إلى لب مشكلة جدة فقد تفتح صفحة جديدة ليس في جدة وحدها بل في كل مدينة في المملكة، وسندها في ذلك ما أورد القرار الملكي «كائنا من كان» وكذلك «من ذمتي إلى ذمتكم». وإن لم نجد في أنفسنا هذه القدرة فخير لنا ألا نضيع الوقت والمال ونزرع من التوقعات ما لا يثمر إلا المزيد من الكوارث.