الأسبوع الماضي، كان هناك ماراثون من نوع آخر لا ينهك البدن ولا يشد الأعصاب، بل يستد.عي كل ما في القلب من صفاء وما في الفكر من نقاء من أجل إتقان يضيف إلى بيئة العمل ويضيف إلى روح الفريق وإلى المستفيدين من الخدمات. كان ذاك «مارثون الكايزن الوطني» في شركة عبداللطيف جميل حيث المنافسة النهائية بين قرابة 90 مشروعا لتحسين العمل، يقوم كل واحد منها على ما يمنحه الكايزن من وسائل إبداع وتطوير وتحسين، ومن روح مشاركة وتناغم وتنافس لطيف. «الكايزن» يعني التحسين المستمر على نحو متدرج، بحيث تكون المسافات التطويرية في حدود الممكن ذهنيا وماليا، ولا تؤدي إلى خسارة كبيرة، إن لم تكن ناجحة، بخلاف التطوير الكبير الذي يحتاج إلى وقت طويل ومال وفير وجهد كبير، لكن الخسارة فادحة إن فشل. على يمين المنصة كان المتسابقون، وعلى اليسار كان الحكام، وفي الوسط الجمهور الذي لم يكن غريبا عن ميدان المنافسة، بل مشارك فيها على نحو أو آخر. وكان أجمل ما في الأمر الدقة والوضوح في عرض المشاريع الفائزة، بحيث يحدد كل فريق المشكلة بكل جوانبها وكذلك الحلول بكل تفاصيلها، وكان أفضل الأفضل من بين التسعة الفائزة شاب سعودي قاد فريقه إلى المركز الأول. من خصوصيات ثقافة «الكايزن» تكرار السؤال: لماذا؟ لخمس مرات.. حتى يصل الباحث عن الحل إلى لب المشكلة من أجل استئصالها من أساسها، وفي ذلك تعويد على التعمق بفهم وإدراك؛ لأن كثيرا من المشكلات تظل على حالها إذا اقتصر العلاج على التجميل دون اقتلاعها من الجذور، وعلى طي السجادة على الأوساخ حتى إذا حان وقت التنظيف الشامل تبينت الخبايا وانكشف المستور. من الأشياء الجميلة في هذه الثقافة ما يسمى ب«حلقات الجودة» وهي دوائر من العاملين في النشاط الميداني الفني يسعون إلى تطوير بيئة العمل عبر التواصل والنقاش، وتغيير ما يحتاج إلى تغيير من غير تفويض رسمي ولا قنوات بيروقراطية. «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل»، هكذا يصف الرسول (عليه الصلاة والسلام) استمرارية التحسين حتى وإن كان قليلا؛ لأنه لا ينهك ولا يشعر الإنسان بالملل، ويرى بنفسه نتائج إيجابية على نحو مستمر. الأمل أن يصبح ماراثون الكايزن شأنا عاما لدى كثير من الشركات والمؤسسات؛ لأنه ثقافة جميلة تمنح الحياة من صفائها ما يرتقي بالفكر والروح، ليظل الإنسان في جهاد من أجل حياة أفضل، ويكتب بإنجازه فصولا طويلة من نجاح لا ينقطع (فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى). والأمل الأكبر أن يغدو الكايزن ثقافة مجتمعية، يحرص كل بيت على أن تكون من بين ما يقيم حياته عليه ويربي أبناءه على الأخذ به، وتقام المنافسات داخل المنزل في اختيار الأفضل تطبيقا لمنهج يجعل الحياة أجمل بكثير.