اشتهر العرب بالحكم والأمثال التي يطلقونها ولا يطبقونها، ومنها – مثلاً: \"ومعظم النار من مستصغر الشرر\" أو \"الوقاية خير من العلاج\" وغيرهما. على المستوى الصحي – مثلاً – ما زال الغالبية متواكلين لا متوكلين لأن التوكل لا يمنع الاحتياط \"اعقلها وتوكل\"، ومع هذا، فالمتوكلون في جانب الصحة قلّة، والمتواكلون كثرة. وهؤلاء المتواكلون أقسام، قسم يجهل أهمية الفحص السنوي أو نصف السنوي، وقسم لا يجهله لكنه غير مقتنع به، وقسم مقتنع بأهميته، لكنه لا يستطيع فعله، ولكل قسم أسبابه، لكن النتيجة النهائية واحدة، وهي استفحال مرض – ما – كان يمكن القضاء أو السيطرة عليه لو تم اكتشافه مبكراً من خلال بعض أعراضه المبدئية البسيطة. هذا على مستوى الأفراد، فماذا عن الدول؟ نفس القاعدة تقريباً مطبقة، التواكل يتسيد الساحة. أقرب الأمثلة على ذلك معركة \"كرة القدم\" بين مصر والجزائر التي ما زالت رحاها تدور حتى الآن. فمن التوكل الحقيقي أن تقوم القيادتان السياسيتان في البلدين بفحص الحال فحصاً دقيقاً وعميقاً وشاملاً، هل هو مجرد فورة هوس كروي بين الجماهير لا يلبث أن يذوب وبالتالي يمكن اعتباره ورماً حميداً، يسهل استئصاله دون أية آثار سلبية عميقة على الكيانين، أم إنه عرض لمرض خبيث انتشر في جسد البلدين بسبب إهمال الفحص الدائم وعدم الكشف المبكر له قبل استفحاله؟ حال الهياج الجماهيري المدمر هذا غير طبيعي بين شعبين شقيقين، وليس له ما يبرره على مستوى العلاقة بينهما، وأعتقد أن المطلوب فحص أسباب هذا الهياج في كل بلد على حدة، قبل فحص مشهد التعبير عنه من خلال مباراة كرة قدم ليس للانتصار أو الهزيمة فيها أي أثر على مستوى معيشة الهائجين من الطرفين، وعندما أقول معيشة، فإنني أعني حياة الإنسان كاملة. الفحص المتكرر سنوياً، والكشف المبكر عن الأمراض والعلل مهم جداً لصحة الدول، مثلما هو مهم لصحة الأفراد، وإذا كان حال الهياج الجماهيري الكروي بين مصر والجزائر أحدث النماذج التي تتطلب فحصاً دقيقاً قبل الاستفحال، فإن هناك نماذج كثيرة مزمنة في الوطن العربي استفحلت بسبب التواكل بأقسامه التي أشرت إليها، إذ لو كان الفحص والكشف المبكر عن العلل مطبقاً ومنسجماً مع ما نردده من أن الوقاية خير من العلاج، لما بلغ الفساد في معظم الدول العربية مستوىً يصعب كشفه ناهيك عن علاجه، ولما كان نحو ثمانين مليون عربي يسعون للهجرة إلى الغرب، ولما كان حزب الله في لبنان ولا الحوثيون في اليمن ولا الفئة الضالة في بلادنا، ولا جماعات الإخوان والإسلام السياسي في كل قطر عربي، لكنه التواكل، وخليها على الله.