السماء الملائكية اصبحت مفتوحة لتدخّل الفلكي وبعده الملاّح الفضائي والبث الثقافي ولم تعد مقصورة لرفع اكف الضراعة , لم تعد السماء ممراً للضراعة فقط , ولأن التوكل غير التواكل رغم الفرق اللغوي واللفظي الجزئي والبسيط بين المفهومين واللفظين , فالمتواكلون هم الذين يتمنون من السماء أن تتدخل لصالحهم لمجرد الالحاح بالدعاء , ويريدون من الدين أن يتدخل في كل يوميات الإنسان وخصوصياته الصغيرة , كأنما يقولون إن الله خلق الإنسان آلة صماء بكماء لاتنجز شيئاً , وهذا مخالف للسنن الكونية ولقانون التطور وحضارات الإنسان التي ابدع فيها من غير اديان , يحمل المتواكلون افكارا سوداء وظنونا سيئة ونظرات سوداوية وقاتمة من التشاؤم اليومي , يصبح العدو جاهزاً للتصنيع والخلق في أي لحظة واي موقف , لاينظر المتوهم المتواكل للامور إلا من زاوية واحدة مع أن كل الامور وحتى الصعاب والمصائب الكبيرة لها اكثر من زاوية ولها من الايجابيات اكثر من السلبيات , ولو تحررنا من اوهامنا ونظرتنا الضيقة جداً للحياة والناس والدين والوطن لصح منا التوكل الايجابي , اما المتوكلون , فهم اهل الحياة السببية وقوانين الاشياء , فلكل امر سبب وقانون كمقدمات ضرورية , به يصل المبتغي إلى مبتغاه , ولأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وفطرته وجبلّته , فقد جاء الدين ليكون مناسباً كنظام اجتماعي للاستقامة , وليس نظاما شخصيا للتدين الشكلي فقط , إن روح الاديان وضمير الحضارة يبحث عمن يستقيم بلاعقيدة لاعمن يعتقد بلا استقامة . إن مرجعية القيم كامنة داخل الانسان ويستطيع التوصل اليها بالممارسة وبتطبيق منطق»مالاترضاه على نفسك فلا ترضاه على غيرك»فاذا كنت ترفض تعرضك للسرقة فقد رفضت بالتبعية ان تكون سارقا, وبالمثل يمكن تطبيق ذلك على كافة امور الحياة , وفي الحقيقة نحن لسنا في حاجة الى فعل ذلك الان,فقد فعله الانسان من القدم ونقل الينا خبراته واقتنعنا بها ونضيف اليها قيما اخرى طبقا لمستجدات العصر وطبقا لمرجعية واحدة فقط الا وهي»انك حر مالم تضر» وذلك حين تكون الحياة اساسها المعاملة الدنيوية , وهي حقوق العباد التي جاءت الاديان لتحقيقها وحمايتها وصيانتها , تبقى الشعائر الدينية والمظاهر التعبدية إضافات لتزكية النفوس واستدامة التواصل مع الله , فالغرب ( اوربا وامريكا ) بشهادة المسلمين , علماء وفقهاء وعامة , الذين زاروا أو اقاموا في الغرب لفترات متصلة أو متقطعة لمسوا وعاشوا مدى حسن التعامل والامانة والصدق والاهتمام بالآخر , داخل تلك المجتمعات ,بل دهشوا كيف لهؤلاء القوم ( الغربيين , الاوربيين والامريكان ) وهم غير مسلمين , ولايصلون باليوم خمس مرات , أن يكونوا متمثلين لأخلاق الدين في الحس الإنساني , وحسن التعامل والامانة والنظافة والدقة في المواعيد , وهذه الاخلاقيات ليست نابعة من اتباعهم للنصرانية أو اليهودية , فهم يندر أن يؤموا الكنائس والمعابد , ولم يحفظوا التوراة والانجيل عن ظهر قلب , إنهم لايتضرعون بالدعاء , لكنهم يلحّون في التعامل مع الاسباب والقوانين التي تجعلهم متدينين بالسلوك , فتبارك السماء حياتهم وطرائق معاشهم وعلمهم وعملهم , أنهم متوكلون على سنن الله وقوانينه في الحياة , وليسوا متواكلين ينتظرون السماء أن تنحاز لهم .