احتفل الوطن، واحتفلنا جميعًا يوم الأربعاء الموافق 4 /10/1430ه بافتتاح جامعة الملك عبدالله في ثول، القرية سابقًا، والمدينة العصرية حاليًّا ومستقبلاً. ومن ذلك المكان الحالم على سواحل البحر الأحمر، تبدأ مسيرة جديدة لقفزة التعليم ومخرّجاته في المملكة العربية السعودية، وهي على موعد مع فجر جديد بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين، ونائبه الثاني -حفظهم الله جميعًا-. والانطباع الدارج أن هذا الصرح العلمي الجديد سيستأثر باحتكار البحث العلمي، وسيقوم بمفرده بتحقيق كل طموحاتنا في مجال العلوم والتكنولوجيا. والواقع أن هذا الحدث على قدر ضخامته، وطموحاته، ورؤاه، ما هو إلاَّ رافد جديد، وصرح إضافي لما هو موجود منذ زمن في جامعاتنا الكبرى مثل: الملك سعود، الملك عبدالعزيز، الملك فهد، ورصيفاتها التي قدمت للمجتمع منذ افتتاحها عشرات الألوف من الخريجين في شتّى المجالات، وجميعهم يشاركون اليوم في برامج التنمية، وإدارة البلد في شتّى المجالات. وصروحنا الجامعية العريقة، إذ ترحب بقدوم رصيفة جديدة برؤية حديثة، ومستقبلية، وبتركيز خاص على البحث العلمي، تعي مقدار التحدّي الذي تمنحه بداية جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مجالات البحوث العلمية. وأحسب أيضًا أن الرسالة وصلت، وأن اليوم غير الأمس، في طريق إدارة الجامعات، وطرق الاهتمام بمخرّجاتها. فهل نحن مشرفون على تنافس؟ والجواب نعم. سيكون التنافس من أجل الأفضل، ومن أجل التفوّق. وهل ستكون النتائج بارزة؟ والجواب نعم؛ لأن التفوّق سيفرض نفسه، وستكون النتائج في متناول الجميع. وهل ستكون الإمكانات حجر عثرة تعيق التنافس؟ والجواب ليس بالضرورة، فكم من جامعات صغيرة استطاعت أن تنافس، وتتحدّى، وتتفوّق، بإمكانات متواضعة، من خلال الإدارة الجيدة، والفرز الطلابي الدقيق، والتوجيه العادل المستنير للعناصر المتفوقة، والإصرار والرغبة، والفضول، في سبيل البحث العلمي، ومن المتوقع أن نرى -بإذن الله تعالى- تغييرًا نوعيًّا في أسلوب إدارة الجامعات الأخرى، تنعكس آثاره على مخرّجاتها، وتشحذ همم التنافس بين المؤسسات العلمية وطلابها، وتعود بالنفع العام على الوطن بصفة عامة، وتحقق طموحات خادم الحرمين الشريفين لإحداث تغيير جوهري في مجال التعليم؛ لينتقل من التقليدي إلى المنافس المعاصر، بالتركيز على البحث العلمي في ميدان العلوم والتكنولوجيا التي أصبحت مفتاح النجاح في هذا العصر، ولم تعد حكرًا على أحد، بل أصبحت مشاعًا، وفي متناول الجميع. وبالمنافسة الشريفة، والإدارة الحكيمة يستفيد الجميع من وجود نموذج يُقتدى به مثل جامعة الملك عبدالله، ويتيح للطلاب الموهوبين تحقيق أحلامهم في جوٍ مهيأ للإبداع، وبيئة أكاديمية تدفع بإنتاجهم إلى منصة التفوّق؛ لتتحوّل إلى برامج عملية تفيد مجتمعهم والإنسانية جمعاء. هكذا يفكر العلماء، وعلماء الغد من أبنائنا وبناتنا، سيكونون في مستوى التحدّي، وسنراهم -بإذن الله تعالى- وهم يضعون بصماتهم على منجزات علمية جدية، ليس في جامعة واحدة، بل في كل جامعاتنا، وعلى وجه الخصوص الجامعات الكبرى. وفرص الإبداع متوفرة، وفي متناول الجميع، ولم يعد مقبولاً التعلّل بعدم توفر الإمكانيات، ويكفي أن الصرح الجديد يعلّق الجرس، ويحث الإدارات على المواكبة والمنافسة الشريفة في سبيل العلم، ويدعو الدارسين في برامج التعليم العالي في الداخل والخارج للحذر من التراخي في التحصيل المميّز؛ لأن سوق العمل ستزدحم بالخريجين، وسيفوز بالوظائف المتفوّقون، وأصحاب المهارات العالية. وفي المنظور الإداري فإن أي قصور في الأداء والمخرّجات ستتحمل مسؤوليته الإدارات التنفيذية المتهاونة، كما يجب أن يكون اختيار القيادات، مبنيًا على المقدرة، والمؤهل، قبل أي اعتبارات أخرى؛ لكي لا نضطر إلى الاعتماد على العناصر الوافدة، واستقدام مَن يدير جامعاتنا من الخارج حتّى نرفع مستوى مخرجاتها. وللمتحفّظين على مشاركات المرأة في التعليم العالي والمجالات الأخرى، تجدر الإشارة بأن المملكة تجاوزت ذلك منذ زمن، ولا داعي للتخوّف من قدرات بناتنا على التعامل مع الحداثة بحكمة، واحتشام.. محصنة بتربيتها الدينية.. لتصبح شريكًا فعّالاً في مسيرة الوطن التنموية.. والله ولي التوفيق.