الحديث مستمر عن المعايير، التي يمكن الاتكاء عليها، للمساعدة، في إصدار حكم على مستقبل المياه في المملكة .. المعايير متعددة، يعرفها البعض ويجهلها آخرون.. هناك أيضا من يتجاهلها، لزيادة المعاناة عنوة أو غفلة.. هذه المعايير مؤشرات توحي وتقول: مؤشرات يمكن أن يعول عليها.. لا تختلف عن ارتفاع درجة حرارة الجسم .. حيث تصبح مؤشرا على وجوب معرفة الخلل .. كنتيجة لابد من العمل لزوال الخطر.. تحدث كاتبكم عن الاستنزاف الجائر.. تحدث عن سوء الاستخدام .. تحدث أيضا عن سوء الإدارة.. وقال: إن المياه تتعرض لسوء الإدارة على مستوى المشاريع المائية.. مشروع الري والصرف بالأحساء نموذج لما جرى للمياه من سوء إدارة.. ينسحب ذلك على جميع المشاريع الزراعية.. ومن سوء إدارة الماء، تصدير المنتجات الزراعية إلى الخارج.. وهذا بمثابة تصدير الماء بثمن بخس .. ومن سوء إدارة الماء زيادة الإنتاج الزراعي، لدرجة تفوق كميات الاستهلاك المحلي .. ومن سوء إدارة الماء تركيز استنزاف الماء في مناطق محددة .. ومن سوء إدارة الماء أن يصبح ضحية صاحبه.. اليوم يشير كاتبكم إلى المعيار أو المؤشر الرابع .. مؤشر يتجسد في التلوث.. يصبح الماء غير صالح للاستعمال إذا اختلط بالملوثات.. يصبح فاسدا ضارا.. يصبح خطرا على الإنسان وعلى الزراعة والحيوان .. يصبح وجوده كعدمه.. يصبح سمّا وسقما بفعل أيدينا.. هناك تجاوزات، وممارسات غير مسئولة، تعمل على تلوث المياه الجوفية دون اكتراث .. دون وعي .. ودون مسؤولية .. من هذه الملوثات، اختلاط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي .. خاصة التي يتم حقنها، عنوة ومجاهرة، بواسطة الأنابيب إلى جوف الأرض.. تطرق كاتبكم في أحد المقالات السابقة إلى ما جرى، ويجري في مدينة جدة، كمثال، من حقن مياه الصرف الصحي إلى بطن الأرض .. كشفت بعض الدراسات، أنه نتيجة لهذا الحقن، تلوثت المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي، حتى على بعد (100) كلم خارج مدينة جدة.. هناك أيضا التلوث الذي تخلّفه محطات البترول في كثير من المواقع .. ظهر في الاحساء اختلاط المحروقات بالمياه الجوفية.. كان ذلك نتيجة لحفر آبار خاصة بالمحطات البترولية .. تصبح (مكبا) سريا للتخلص من الزيوت المستعملة بشتى أنواعها.. التلوث موضوع واسع .. لن يكون له نهاية .. في ظل غياب التشريعات التي تحمي البيئة وتردع كل مخالف .. التلوث يؤثر ليس فقط على المياه ولكن أيضا على الإنسان .. هناك ملوثات غازية.. وهناك ملوثات سائلة وأخرى صلبة.. ويظل الخطر قائما في غياب التشريعات التي تحمي وتحافظ وتخلق الوعي.. هذه حزمة من المؤشرات، أصبحت مشاكل يعاني منها الماء في المملكة.. مع هذه المشاكل لابد أن يكون الوضع المائي مريضا لدرجة الخطورة.. مياه المملكة نادرة جدا.. أي نقطة ماء تفسد أو تفقد بدون مبرر هي خسارة لا يمكن تعويضها.. مياه المملكة يعاني أهلها الذين لا يعطون قيمة لهذه المياه.. لا يعطون وزنا لهذه المياه.. رفع كاتبكم شعارا قبل أكثر من عقدين لشرح واقع الحال .. يقول الشعار: الماء أرخص موجود وأغلى مفقود.. وما زال الحال قائما.. إذا توافر الماء كنّا أكثر المسرفين .. وإذا نقص الماء كنّا أكثر الشاكين.. الماء نعمة لا تقدّر بثمن .. من اجل شربة ماء يتخلى الإنسان عن كل ما يملك.. الحياة أهم من المال والعرض والأرض .. هل يتّعظ المسئول ويتعظ المواطن؟! معدل استهلاك الفرد الواحد في المملكة يفوق معدل استهلاك الدول الغنية بالمياه، وأيضا الأكثر تمدنا وحضارة مثل أمريكا وبعض الدول الأوروبية.. يصل معدل استهلاك الفرد إلى حوالي (300) لتر في اليوم.. ناهيك عن الاستخدامات الزراعية التي تستنزف المياه الجوفية بكميات تفوق احتياجات النبات الفعلية بمعدلات مرتفعة.. نحن قوم نبحث عن المزيد من المياه لاستنزافها بشكل غير مبرر.. نحن قوم لا نهتم بالحفاظ على المياه المتوافرة .. نحن قوم غير مهتمين بترشيد استخدام المياه.. الأكثر خطورة، غير مهتمين بتنميتها .. حتى اليوم، لا يوجد مشروع واحد على مستوى المملكة لتنمية المياه الجوفية .. ويستمر المقال.