دعا الخبراء المختصون في الجيولوجيا والبيئة والمياه إلى الإسراع في مشروع شبكات مياه الصرف الصحي لتجنب المخاطر الحيوية والبيئية للمياه الجوفية. وقالوا ل «عكاظ» إن مناسيب المياه الجوفية في مدينة جدة تأثرت بشكل مباشر بما حدث على سطح الأرض من عمليات هيدرولوجية وتسرب مياه الصرف الصحي بشكل مباشر. وطالبوا بضرورة سحب المياه الجوفية من خلال آبار أنبوبية يتم تحديد مواقعها بناء على الوضع الجيولوجي والهيدروجيولوجي بعد الانتهاء من حلول تصريف مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي؛ كون هذه المياه لها انعكاسات وتأثير بيئي سلبي على صحة المجتمع والمنشآت القائمة. وأشاروا إلى «أن خطورة المياه الجوفية تتمثل في تلوثها من خلال الملوثات السطحية كالصرف الصحي، والحفر التي يتم فيها دفن وردم النفايات الخطرة ومنها نفايات المستشفيات والمصانع، وكذلك الحفر التي تلقى فيها الزيوت والشحوم الناتجه عن صيانة السيارات». التبادل المائي رأى الخبير البيئي الدكتور عبدالرحمن حمزة كماس، أن المياه الجوفية في جدة هي نتاج طبيعي وليست مشكلة دائمة وتنتج من المياه المتسربة من باطن الأرض بفعل العديد من العوامل كتسربات في خطوط المياه، تسربات مياه بيارات الصرف الصحي، وتجميع مياه الأمطار، وري المزروعات بالوايتات والذي سيتم التخلص منه بعد اكتمال شبكات الري وخزاناتها، مبينا أن ردم بحر جدة من الناحية الغربية أدى إلى منع التبادل المائي بين البحر والأرض، كما ساهم عدم وجود شبكة صرف صحي إلى تفاقم مشكلة المياه الجوفية واختلاطها مع مياه البيارات التي تتسرب من العمائر، كما أدى ردم النفايات في شرق جدة إلى تسربها إلى المياه الجوفية وتلوثها. وأضاف الدكتور كماس «أن الدراسات التي أجريت على المياه الجوفية في جدة بينت أن مدينة جدة تتميز بوجود ارتفاع عام في تركيزات العناصر الكيميائية الرئيسة، كما أن المياه ذات التركيز العالي للكلوريدات والكبريتات تشكل تأثيرات سلبية على البنية التحتية في المدينة، حيث تتفاعل هذه العناصر مع مكونات الخرسانة فتسبب مع الزمن في تشققها وتفتتها، وأن أهم العوامل المؤثرة على نوعية المياه الجوفية عملية التبخر من المياه الضحلة لمستويات «الجوفية» المرتفعة وذوبان الأملاح التبخرية الموجودة في التربة». الدكتور كماس أكد أن حلول تخفيف منسوب المياه الجوفية في أحياء جدة تتمثل في الإسراع في تنفيذ شبكات الصرف الصحي، إلغاء حفر «البيارات»، شبكات تصريف مياه الأمطار والسيول وعمل صيانة دورية لها على أن يتم تطويرها لتستوعب الزيادة المتوقعة في كميات الصرف الصحي، مع الأخذ في الاعتبار توفير محطات المعالجة اللازمة والتي تستوعب كمية الصرف الصحي وآبار مراقبة لمنع التسربات منها، وإصلاح ومراقبة التسربات من الشبكات وخزانات المياه المختلفة. المياه تحت السطحية وطالب رئيس الجمعية السعودية للعلوم البيئية عضو هيئة التدريس في قسم العلوم البيئية في كلية الأرصاد في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة البروفيسور عبدالعزيز رادين بالتفريق بين المياه الجوفية والمياه تحت السطحية، مشيرا إلى أن المياه تحت السطحية تتواجد في الطبقة العليا من التربة في مدينة جدة، بينما الجوفية فغالبا تكون أكثر عمقا وموجودة في خزان جوفي محدد. وبين أن المياه تحت السطحية أصبحت مختلطة بكمية كبيرة من مياه الصرف الصحي المتسربة من البيارات، وهذه المياه وقبل اختلاطها بمياه الصرف الصحي في السابق لم تكن مصدرا للاستهلاك الآدمي أو في الاستخدامات الأخرى، وبالتالي لا تعتبر مصدر خسارة من هذه الناحية. ورأى البروفيسور رادين أنه قبل اختلاط هذه المياه بمياه الصرف الصحي دخلت فيها عناصر غريبة عن مكونات الماء، وبالتالي لوثت هذه المياه، كما أن وجود هذه العناصر الغريبة يجعل تفاعلها مع القواعد الخرسانية للمنشآت والحديد مغايرا عن الأثر الذي تتركه المياه غير الملوثة، كما أن وصول هذه المياه إلى شواطئ البحر يلوث الشواطئ ويوثر على الكائنات الحية في الشواطئ. وأفاد أن المياه تحت السطحية الملوثة بمياه الصرف الصحي تشكل مصدر خطر للخزانات الأرضية لمياه الشرب، حيث إن تلوث مياه الصرف أو دخولها إلى شبكات توزيع المياه أمر متحمل، حيث إنه عند توقف ضخ مياه التحلية في أنابيب الشبكة يصبح الضغط الخارجي للمياه تحت السطحية أكبر من الضغط داخل الأنابيب وهو مايسبب تسرب المياه الملوثة إلى الشبكة. وعن الحلول، طالب البروفيسور رادين بالإسراع في مشروع شبكات الصرف الصحي، العمل على صيانة شبكة مياه التحلية، إلغاء استخدام الخزانات الأرضية لتخزين المياه بمعنى بناء نظام لا يعتمد على الخزانات الأرضية والعلوية في المنازل وتكون مباشرة من التحلية إلى المنازل كما هو معمول في معظم الدول. الصرف الصحي وكشف رئيس قسم علوم وإدارة موارد المياه كلية الأرصاد والبيئة في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور ناصر بن سليمان العمري، أن مناسيب المياه الجوفية في مدينة جدة تأثرت بشكل مباشر بما حدث على سطح الأرض من عمليات هيدرولوجية وتسرب مياه الصرف الصحي بشكل مباشر، وهو ما فاقم من مشكلة ارتفاع مناسيب المياه الجوفية التي قد تصل إلى سطح الأرض وتؤثر سلبا على المناطق الحظرية والأحياء السكنية والمنشآت الخرسانية. وبين الدكتور العمري أن «المياه الجوفية في مدينة جدة تعتبر مياه متجددة ذات نوعية جيدة إلا أنه لا يمكن الاستفادة منها بسبب التلوث الحالي نتيجة عدم وجود شبكات صرف صحي، حيث كان بالإمكان الاستفادة من مياه الأمطار التي تسقط على المدينة والأودية التي تصب من خلالها إلى البحر (وهي ما يزيد على عشرة أودية)، ومما فاقم حجم المشكلة وجود بحيرة الصرف الصحي وبحيرة السد الاحترازي الواقعة شرق مدينة جدة وتأثير ذلك على ثلوث المياه الجوفية في المدينة». ونوه أن وضع المياه الجوفية في كامل مدينة جدة لم يدرس دراسة تفصيلية كاملة ولم تبذل المحاولات لتقويم معدل التغذية للخزان الجوفي وتقدير كميات المياة المتسربة إلى باطن الأرض من البيارات وتقدير كميات المياه السطحية والتحت سطحية للأودية المرتبطة والمحيطة بالمدينة وإمكانات تخفيض منسوب المياه الجوفية. العمري أكد أن الأمر يستلزم الكثير من الجهود ووضع الحلول على عدة مراحل، ابتداء من مرحلة عمل تقويم لوضع المياه الجوفية ومصادر التغذية لها وتقويم نوعية المياه الجوفية ومصادر التلوث ودراسة إمكانية تخفيض مناسيب المياه الجوفية في بعض المناطق المتضررة وذات النسب العالية من التلوث، وعمل خرائط تبين درجات التلوث وأنواعه ومن ثم عمل نموذج رياضي للخزان الجوفي لدراسة تصورات وسيناريوهات مختلفة لتخفيض مناسيب المياه الجوفية والحد من التلوث، ودراسة انفعال الخزان الجوفي بآثار التنمية العمرانية المتزايدة في مدينة جدة. تجنب البناء وفي سياق متصل، يقول أستاذ الجيوكيمياء في كلية علوم الأرض في جامعة الملك عبدالعزيز البروفيسور عبدالعزيز عبدالملك رادين: خطورة المياه الجوفية في جدة محصورة على بعض المناطق التي يرتفع فيها منسوب المياه عن طبوغرافية السطح، وهو ما يشكل خطرا محدودا على بعض المباني والمنشآت في تلك المنطقة. وأضاف «كما هو معروف أن خزان المياه الجوفية الموجود تحت مدينة جدة قد قام المختصون بتحديد حدوده في النشرات العلمية، وهو ما انعكس على دراسة كل أوجه هذه المياه وانتشارها في جدة ووضع الحلول لها». واعتبر أن خطورة المياه الجوفية تتمثل أيضا في تلوثها بواسطة الملوثات السطحية مثل مياه الصرف الصحي والحفر التي يتم فيها دفن وردم النفايات الخطرة ومنها نفايات المستشفيات والمصانع، وكذلك الحفر التي تلقى فيها الزيوت والشحوم الناتجة عن صيانة السيارات. البروفيسور رادين أكد أن الحلول العلمية للمياه الجوفية تقتصر على تجنب البناء في مثل هذه الأماكن الإ بمواصفات خاصة تضمن سلامة وعدم تأثر هذه المنشآت بارتفاع منسوب المياه الجوفية. مصادر الجوفية ويأخذ استشاري المياه المهندس الدكتور حمود بن مطر الثبيتي بعدا آخر من قضية المياة الجوفية، موضحا أن المياه الجوفية بشكل عام تنقسم بناء على عمر تخزينها في الأرض إلى قسمين أساسيين، هما المياه الأحفورية وهي المياه التي تجمعت في باطن الأرض خلال العصور الممطرة منذ 30 ألف عام وأكثر، وتتواجد هذه المياه في الصخور الرسوبية كالصخور الجيرية والصخور الرميلة، وتنتشر في شرق ووسط وشمال المملكة وبعض الأجزاء من جنوبها. وأضاف «النوع الثاني من المياه هو المياه المتجددة، وهي المياه الحديثة التخزين ولو بعد دقيقة من تساقط الأمطار، وسميت مياه متجددة كونها تتجدد بعد سحبها إما من الأمطار أو من أي مصدر آخر، وتعتبر مياه جدة الجوفية مياه متجددة كونها تجمعت حديثا سواء من الأمطار أو من مياه الصرف الصحي، وعادة تتركز المياه الجوفية المتجددة في الأودية والطبقات الأرضيه المسامية بشكل عام». ويلمح المهندس الدكتور الثبيتي إلى أن هناك مصادر لتواجد المياه الجوفية في جدة، وهي: أولا: مياه الأمطار سواء مياه الأمطار الساقطة على مدينة جدة أو المنقولة من الأودية المجاورة ولعدم وجود تصريف لهذه الأمطار. ثانيا: مياه الصرف الصحي وهي المياه المتسربة من خزانات مياه الصرف الصحي. ثالثا: هناك مصدر ثالث ولست متأكدا من تواجده في مدينة جدة وهو مياه البحر المتداخلة في اليابسة ويتطلب لحدوثه ظروف جيولوجية وهيدروجيولوجية ولا أعلم إن كانت متوفرة هذه الظروف لتكون مياه البحر مصدرا ثالثا من عدمه. وأفاد المهندس الدكتور الثبيتي «أن هذه المياه سواء مياه الأمطار أو مياه الصرف تتخلل طبقات الأرض وتستقر في جوفها، وتتراكم وتسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية شيئا فشيئا حتى يصبح مستوى منسوب هذه المياه صفرا وقد يكون بالموجب مما يعني غمر سطح الأرض بالمياه كما نراه في عدة مواقع في مدينة جدة». ويتساءل المهندس الدكتور الثبيتي، لماذا نرى منسوب المياه متغيرا من موقع لآخر في مدينة جدة، ولو أن جدة بشكل عام بعد الأمطار أصبح منسوب المياه الجوفية فيها متساويا، والإجابة أن هناك عدة أسباب، أذكر منها ما يلي: أولا: الوضع الطبوغرافي وكما هو معروف أن المياه الجوفية تنحدر من داخل الأرض كما هو الحال في سطحها متجهة نحو الانخفاض الطبوغرافي. ثانيا: طبيعة التربة، فكلما كانت التربة دقيقة الحبيبات كما هو الحال في الطين والغرين تتسبب في عرقلة حركة المياه وحجزها مما يجعلها تصعد لأعلى تبحث عن أي متنفس تسلكه، بعكس التربة الرملية فتكون حركة المياه الجوفية بها سهلة وميسرة وأسرع منها في أنواع التربة الأخرى. ثالثا: قرب أو بعد المواقع عن مجاري الأودية التي تعبر مدينة جدة، فكلما كانت المواقع قريبة من مجاري الأودية كلما ارتفع منسوب المياه بها. رابعا: أما المواقع الصخرية، كما هو الحال في بعض المواقع شرق مدينة جدة، فإن التراكيب الجيولوجية لها أثر كبير في حركة المياه الجوفية ككثافة الشقوق والفواصل واتساعها وتوجهها، وهل هي موازية أو متعامدة مع الحركة العامة للمياه، فجميع هذه العوامل تؤثر في التغير في مناسيب المياه الجوفية من موقع لآخر. ويضع المهندس الدكتور الثبيتي الحلول العاجلة لقضية المياه الجوفيه وتتمثل في: ضرورة التخلص من مياه الأمطار وبأسرع ما يمكن وعدم السماح لها في التخزين في جوف الأرض، وذلك من خلال قنوات تصريف مصممة على أسس علمية، التخلص من مياه الصرف الصحي وذلك بالإسراع في تنفيذ مشاريع مياه الصرف الصحي ومعالجتها والاستفادة منها بعد معالجتها، وهناك حل آخر بعيد المدى، وهو العمل على سحب المياه الجوفية من خلال آبار أنبوبية يتم تحديد مواقعها بناء على الوضع الجيولوجي والهيدروجيولوجي بعد الانتهاء من حلول تصريف مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي؛ كون هذه المياه لها تأثير بيئي سيئ على الصحة العامة والمنشآت القائمة.