هذا المقال الثالث، يواصل الحديث عن توقعات مستقبل المياه في المملكة .. في المقالين السابقين تحدث كاتبكم عن أمور ذات أبعاد موجعة .. تطرق الحديث إلى معايير يمكن الاحتكام إليها عند الحكم على مستقبل الماء .. سوء استخدام الماء، كان المعيار الأول .. وكان الثاني استنزاف الماء الجائر .. اليوم نتحدث عن المعيار الثالث .. بداية، يسعى كاتبكم إلى حثكم، لإصدار الحكم على هذا المستقبل، من خلال هذه المعايير وغيرها مما تلاحظون.. اطلاعكم على الممارسات التي نعامل بها مورد الماء، تعطيكم مساحة أفضل، لرؤية أبعاد القضية، وأيضا تعطي مساحة لرؤية مفيدة، لإصدار حكم عادل وصائب ومفيد.. نحن فيه الخصم والحكم.. المعيار الثالث هو سوء الإدارة .. مرض خطير، وقاتل على المدى الطويل.. ماذا نعني بمصطلح مرض (سوء الإدارة)؟!.. هناك أكثر من تعريف حسب التخصصات الزراعية.. بعضها تحصر إدارة المياه في العلاقة بين الماء والنبات والتربة.. بعض التخصصات تضيف عاملا رابعا هو المناخ.. ربط هذه العناصر مع بعضها يهدف إلى تعظيم استخدام مياه الري بصورة رشيدة.. هدفها تحديد الاحتياجات المائية للنبات بدقة متناهية.. لا يمكن تحقيق ذلك، إلا من خلال توظيف تلك العناصر مجتمعة.. هذا التعريف لإدارة الماء، لا يأخذ إدارة الماء كمورد في حساباته.. لكنها التخصصات بعضها يسند بعضا .. كنتيجة، الأفضل عند مناقشة أي مشكلة تتعلق بالماء، أن يكون هناك فريق عمل من تخصصات مختلفة، لتحقيق أقصى فائدة علمية.. هناك تعريف آخر اقتصادي لمرض سوء الإدارة.. لكنه في النهاية يعتمد على التعريف الأول ونتائجه.. هناك تعريف مهم آخر يغيب عن كثير من المتخصصين في كليات الزراعة.. وهو الإنسان نفسه.. إذا كان الماء موردا فهذا يعني انه لا يختلف عن أي مورد آخر.. يمكن لأي شركة إشهار إفلاسها بسبب سوء الإدارة.. الماء لا يختلف.. الإدارة غير الفاعلة، والإدارة غير الحكيمة في إدارة الماء كمورد، تسبب الكوارث المائية.. تقود إلى نضوب الماء.. لفهم الموضوع.. نعود إلى المثال الذي ورد في المقال الثاني.. شرب نصف الكوب، وإهدار النصف الثاني.. يعني أن هناك سوء استنزاف وأيضا سوء استخدام.. لكنه يعني بعدا ثالثا.. هو سوء الإدارة.. الإدارة الرشيدة لا تسمح بالاستنزاف من المصدر إلا بمقدار الاحتياج الفعلي.. وفي غيابها يتم الإهدار والاستنزاف.. وهذا ما نعني بسوء الإدارة.. خير مثال.. ما كان يمارس في مشروع الري والصرف بالأحساء.. كان الماء يعاني من سوء الاستخدام، ومن الاستنزاف الجائر، وأيضا من سوء الإدارة.. هل مازال الوضع قائما؟!.. مشروع متخصص له علاقة بالماء مباشرة.. مع ذلك، أصبح أداة لضياع المياه الجوفية منذ تأسيسه في سبعينيات القرن الماضي.. والسبب، سوء الإدارة.. إدارات لم تحقق أهداف المشروع أو أنها فشلت في تحقيقها.. يمكن لنا تصور ما يجري من ممارسات أخرى مع الماء في حقول الشركات الزراعية.. وأيضا من ممارسات على مستوى المزرعة، والمنزل، والفرد.. وعلى مستوى الوزارات المعنية.. سوء الإدارة يعني أن الماء ليس له صاحب يحميه.. سوء الإدارة يعني أن الماء في خدمة الموظفين والمسئولين عنه.. وليس العكس.. سوء الإدارة يعني لا رقيب ولا حسيب.. سوء الإدارة يعني أن الماء سائب.. الإدارة، في النهاية، قرار.. يجب أن يكون القرار صحيحا .. ولكي يكون صحيحا ، لابد أن يبنى على معطيات صحيحة وجمة ودقيقة .. يبنى القرار على حقائق علمية، وليس خواطر واجتهادات .. كنتيجة، هل يعقل أن تصبح المملكة، يوما، سادس دولة في العالم في إنتاج القمح وهي بلد صحراوي يفتقر لوجود مياه سطحية، وأيضا يتميز بندرة نزول الأمطار؟!.. هذه الممارسات مع الماء، اقرب إلى الانتحار منه إلى البناء والحياة.. حتى تكلفة إنتاج القمح في مثل هذه الظروف الصحراوية غير مجدية.. تكلفة الإنتاج عالية بشكل خرافي مقارنة بالسعر العالمي المطروح في الأسواق.. هذا جزء من سوء الإدارة التي أتحدث عنها.. ومن سوء الإدارة أن يصبح الماء ضحية الفساد والإفساد.. ويستمر المقال.