في الجزءين السابقين كان لنا وقفات مع الطالب والمعلم ، حيث شكلا الركنين الأول والثاني في العمل التربوي ، ونلقي الضوء في هذا المقام على الركنين الثالث والرابع ، متطلعين إلى أن نصل من خلال ذلك إلى مساحة أرحب من الأمل في صياغة مفاهيم أكثر قابلية للتقييم الذاتي ، فذلك بداية الانطلاقة الحقيقية نحو التطوير المعرفي ، الذي يؤسس لمواجهة متغيرات العصر الكوني . الركن الثالث : المنهج المدرسي ، يترجم المنهج الرؤية والرسالة التربوية ، التي على جميع أركان العمل التربوي تجسيدها ، للوصول إلى أهداف قابلة للقياس ، من شأن تحقيقها أن يسهم في وضع الأمة في موقع متقدم على خريطة التطوير، فهامش التغيير بمناهجنا التربوية لا يستجيب لمنطق التطوير التربوي ، فجميع المواد باستثناء المواد الدينية يجب أن تحظى بقدر من التطوير المستمر كل عام ، ليوازي ذلك إيقاع الحياة المتسارع ، ويسهم في تقليص مساحة المد التربوي المضاد ، القادم من خارج دائرة المدرسة عبر أوعية المعلومات المفتوحة للناشئة ودرء خطرها ، هذا عن المحتوى المنهجي ، أما عن الوسيلة المنهجية فلا شك أن أولياء أمور الطلبة يدركون صبيحة كل يوم حجم معاناة أطفالهم ، عندما يعتمرون حقيبة قد ماثل وزنها وزن حاملها ، حُشيت بعدد من المقررات المدرسية ، في الوقت الذي يعلم فيه هذا الطفل أن ما على ظهره من ورق يمكن أن يتسع له نصف سعة قرص الكتروني ، إنه يدرك عن عالم الكمبيوتر الكثير مما يجهله بعض الكبار الحريصين على احترام الأحجام الورقية في توفير الوقت والجهد والثروة ، وهناك بلدان اقتصادها لا يجاري اقتصادنا ، وإمكاناتها لا تجاري إمكاناتنا ، استطاعت مكننة المنهج المدرسي ، ووفرت لكل طالب جهاز حاسب للتعامل مع المنهج المدرسي الالكتروني ، ولا غرو أننا جميعاً نملك القناعة ذاتها بأن من لا يستطيع التعامل مع الكمبيوتر خلال المرحلة القريبة المقبلة ، سيكون خارج نطاق العصر، ومن الطبيعي نعته بالأمي ، والمتتبع لمتغيرات العملية التربوية في بلادنا ، تتشكل لديه القناعة بأن المسافة التي تفصلنا عن الأخذ بناصية التطوير التربوي المعاصر لازالت بعيدة بعض الشيء . الركن الرابع : المدرسة ، وهي الوعاء الذي يستوعب العملية التربوية والتعليمية ، ولا يمكن تجاهل أهمية هذا الوعاء في إنجاح العمل وتحقيق الرسالة التربوية ، ولا أعتقد بخلو أي منطقة أو محافظة من مبانٍ مستأجرة ، غير صالحة للعمل التربوي في محتواها وموقعها ، بل إن بعضها يشكل خطراً على الطلاب ، إما بتهالك إنشاءاتها ، أو بوجودها على طرق ذات سرعة وازدحام عاليين ، فضلا عن عدم استيعابها لكثير من تفاصيل العمل التربوي المنهجي واللامنهجي ، وربما يشاطرني القناعة الكثير في أن شراء عدد من المنازل المتجاورة وإقامة بناء مدرسي حديث عليها يستجيب لمتطلبات العمل التربوي ، لن يذر اعذار عدم وجود أراضٍ حكومية تقام عليها مشاريع تعليمية ، يحول دون إقامتها في أرجاء مدننا المزدحمة بمبانيها ، إننا في حاجة ملحة إلى صناعة منعطف في مسيرة العمل التربوي لعصرنة مكتسباتنا التعليمية ، إن أردنا تغيير مركزنا على قائمة العوالم الثلاثة ، وتشييد مقومات رحلة الصعود إلى ما يلي موقعنا من ترتيب ، وأنا على يقين بأن الكل يحلم بأن نضع أقدامنا على أعتاب العالم الأول ، لكن تحقيق الأحلام يتطلب الصبر على قليل من الآلام .