كان الوقت ظهراً (الواحدة والنصف تقريباً).. شارع فلسطين - مختنق - كعادته على مدار الليل، والنهار، وليس هو الشارع المفضل للسير لكنه الأقرب للعمل نهاراً، والاقرب للبيت مساء. على بعد خطوات (سيارة مرور) كان مؤشرها يغمز نحو اليمين فكان لابد من السيارات التي خلفها، أو بجوارها أن تراعي ذلك أثناء وقوفها عند الإشارة. وبينما كنت أحاول أن آخذ لسيارتي موقعاً بجوار، أو خلف سيارة المرور كانت سيارة المرور تتجه نحو اليسار فأصلحت من وضع السيارة واتجهت بشيء من الهدوء نحو اليمين، وبقيت نظراتي معلقة بسيارة المرور. وتطاردني رغبة أن أنبه سائقها لموضوع الغماز ليصلحه، وتحول إصراري على تنبيه سائق سيارة المرور إلى متعة لم تكن في حساباتي فقد كان يجري مكالمة عاجلة في الجوال، ثم - وقد لمحني على الطائر - أمسك بجهاز النداء، ثم وضعه جانباً، وفتح نافذة السيارة، ورمى بقشور الفصفص على الأرض، ويبدو أن كثرة تناوله للفصفص دفعه للشرب السريع من قارورة الصحة التي معه حيث تعرفون أن الفصفص يغرقونه في مياه مالحة، وتتحرك سيارة المرور نحو اليسار وقد نجحت - دون قصد - في تسليتي كل هذا الوقت الذي أمضيته أنا وغيري في استنشاق الهواء الملوث(من مختلف السيارات) التي من المفروض أن تكون قد مرت على (الفحص).. والتي من المفروض أن يتعرض أصحابها - للسؤال - من رجال المرور، ومطالبتهم بإبراز قسيمة الفحص فليست صدور الناس رخيصة لهذه الدرجة التي يموتون فيها ببطء شديد، او بطء سريع..؟. كما أن أرواحهم ليست رخيصة حينما تكون هدفاً مباشراً، أو غير مباشر لهذا العبث الذي نراه بعيوننا، وهذه الفوضى المنتشرة فوق شوارعنا، وطرقنا، ومياديننا بحيث لم تنفع مدارس تعليم قيادة السيارات - على كثرتها - في تعليم هؤلاء السائقين، ولم تنجح غرف التوقيف، والقسائم في الحد من أذى، وضرر هؤلاء السائقين، وساعدهم على ذلك (ضيق الشوارع) وكثرة المحلات التجارية فزاد الطين بلة..؟ وإذا كنا في (حالة طفش) مستمرة من الحالة المرورية فإن رجال المرور يشاطروننا هذا الطفش فهم بشر مثلنا، وقد تابعت أكثر من سيارة مرور - وسط الزحام - فإذا قائدها حائر مثلنا يضرب أخماساً في أسداس..! الغمز عن اليمين يختلف عن الغمز نحو اليسار (ما في ذلك شك).. وسيارة المرور التي نسي قائدها تصحيح مسار الغمز أدّى إلى أنني نسيت الإشارة، وانشغلت عن الدخان الاسود، والدخان الرمادي المنبعث من هذه السيارات بدون حساب، وتفرغت لمكالمة الجوال، وقشور الفصفص، وقارورة الصحة فكانت نتيجة أفعالي أن أذني أصيبت بشرخ نظراً لصوت (البواري) التي كان ضجيجها يشق عنان السماء..؟ دعواتكم جميعاً لرجال المرور بأن يحققوا نجاحاً في حملتهم الرابعة يضمن الحفاظ على ما بقي من أعصاب الناس، وصحتهم، وسلامتهم، وممتلكاتهم، وهذا حق طبيعي لكل إنسان، مع ضرورة الاعتراف بالجهود الجبارة التي يبذلها رجال المرور لتحسين الصورة القاتمة.