(شرق)-سيذكر الكوسوفيون طويلاً هذا اليوم (الاثنين 20/4/2009) الذي أعلنت فيه المملكة العربية السعودية على لسان وزير خارجيتها الاعترافَ بأحدث دولةٍ في العالم ( كوسوفا) وأول دولة في أوروبا من حيث نسبة المسلمين فيها (92%). فالأيام الأخيرة التي سبقت هذا الاعتراف كانت مشحونةً بالتوتر سواء بين الموالاة والمعارضة أو على مستوى الشعب الكوسوفي ككل. فبعد الاعتراف الأخير بكوسوفا من جزر المالديف الذي أثار التجاذب بين كوسوفا وصربيا وبين الموالاة والمعارضة في كوسوفا بسبب ادعاء رجل الأعمال الكوسوفي بهجت باتسولي بأنه كان وراء ذلك، وأنه يقوم الآن بما تعجز عنه وزارة الخارجية الكوسوفية، يتكرر الآن هذا السيناريو مع جزر القمر التي أعلنت عن نيتها الاعتراف بكوسوفا قبل أيام، ومع ليبيا الذي زارها باتسولي في الأسبوع الماضي لأجل تأمين اعتراف الجماهيرية باستقلال هذا البلد. وقد انعكس هذا التسابق على الصحافة الكوسوفية، حيث دعمت بعض الأوساط المؤيدة لباتسولي ما يقوم به من جهودٍ لاستثمار أعماله وصلاته مع بعض الدول العربية والإسلامية لأجل الاعتراف بكوسوفا، وانتقدت بعض الأوساط ما يقوم به من "تسويق سياسي" لنفسه وحزبه "التحالف لأجل كوسوفا جديدة" في انتظار الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2010. وقد وصل هذا التجاذب السياسي إلى حد أن الجريدة الكوسوفية المعروفة "زيري" نشرت على معظم صفحتها الأولى مانشيتًا كبيرًا على شكل سؤال: "من هو وزير الخارجية في كوسوفا: إسكندر حسين أم بهجت باتسولي؟ "(عدد 13/4/ 2009). ومن ناحيةٍ أخرى فقد كان التوتر مرتبطًا أيضًا خلال الأسبوع الماضي باقتراب الموعد النهائي لكي تقدم بريشيتنا وبلغراد كل ما لديهما من تبريرات واعتراضات إلى محكمة العدل الدولية التي تنظر في اعتراض صربيا على استقلال كوسوفا. ومع أن رأي هذه المحكمة هو استشاري وليس ملزمًا لأحد، إلا أن بعض الدول قد تميل إلى انتظار هذا القرار الذي قد يصدر في نهاية 2010 أو بداية 2011، وهو ما يترك الأعصاب مشدودة حتى ذلك الحين. وفي الواقع أن شد الأعصاب قد أخذ يبدو في مشاعر ومواقف الكوسوفيين بخاصة من تردد الدول العربية والإسلامية، وقد روى رجل أعمال كوسوفي معروف جاء إلى الأردن في زيارة خاصة خلال الأسبوع الماضي أنه سئل في مطار بريشتينا من أحد معارفه الذين التقاهم صدفةً عن البلد الذي يسافر إليه فلما قال له "إلى البلاد العربية"، رد عليه قائلاً: "ولماذا تذهب إلى هناك، إنهم لا يتعرفون علينا". جاء اعتراف السعودية باستقلال كوسوفا ليخرج الكوسوفيين من حالة التوتر والإحباط، وقد تصدر الترحيب بذلك قمة الهرم الرسمي في هذه الجمهورية التي أعلنت استقلالها في 71/2/2008 واعترفت بها حتى الآن 58 دولة، فقد حيًّا رئيس الجمهورية فاتمير سيديو البادرةَ السعودية واعتبرها "فرصة ممتازة لبناء وتطوير علاقات جديدة لكوسوفا مع ذلك الجزء من العالم". أما رئيس الحكومة هاشم ثاتشي، فقد حيَّا بدوره القرار السعودي وقال ملمحًا إلى بيانات باتسولي أن ما جرى كان "ثمرة العمل الكوسوفي الدبلوماسي، وبعد تبادل المذكرات الرسمية ستكون لنا علاقات دبلوماسية مع الرياض". ومن ناحيته فقد اعتبر وزير الخارجية الكوسوفي، الذي زار السعودية قبل شهور وأدى العمرة، أن هذه البادرة "مهمة جدًا لبلادنا حيث يمكن توقع اعترافات جديدة لما للسعودية من مكانة في العالم العربي والإسلامي". ومن الطبيعي أن اعتراف دولة مهمة في العالم العربي والإسلامي كالسعودية يعيد فتح ملف الاعتراف بكوسوفا، وينعش الآمال الكوسوفية بقبولها في أسرة العالم الإسلامي، صحيحٌ أن الإمارات العربية المتحدة كانت الدولة العربية الأولى التي اعترفت باستقلال كوسوفا، ولكن من المتوقع أن يكون لموقف "الأخت الكبرى" تأثيرٌ قريب وسريع في بعض الدول الخليجية والعربية والإسلامية التي تقدر الحكمة السعودية في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية. ومع هذا الاعتراف الجديد، الذي يحمل الرقم 58 الآن، توجهت أنظار الكوسوفيين ببعض الثقة إلى أيلول (سبتمبر) المقبل حيث تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة على أمل أن يتضاعف هذا العدد وتحصل كوسوفا على ثلثي الأصوات التي تؤهلها للانضمام إلى الأممالمتحدة، ويلاحظ هنا أن انضمام بعض الجمهوريات التي استقلت عن يوغسلافيا السابقة (سلوفينيا وكرواتيا) إلى الأممالمتحدة قد تأخر حوالي سنة، أي أن كوسوفا لم تتأخر كثيرًا بالمقارنة مع أخواتها في يوغسلافيا السابقة. يقول سياسي كوسوفي: "ستكشف الأيام المقبلة ما وراء البادرة السعودية، حيث إنه من المعروف أن القرار السعودي يطبخ على نار هادئة ويأخذ في الاعتبار كل المحددات الإقليمية والدولية، والكشف عنه الآن إنما يدل على أن الأيام المقبلة هي أيام كوسوفية".