بعد أقل من سنة على اعلان الاستقلال الكوسوفي تخطى عدد الدول التي اعترفت بأحدث دولة في أوروبا والعالم حاجز الخمسين، ووصل في «شهر الاستقلال «الى55 دولة مع اعتراف جزر المالديف اخيراً باستقلال كوسوفو. ومع أن الدول التي اعترفت حتى الآن بكوسوفو تمتد من اليابان الى كندا، بما في ذلك 22 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، تمثل حوالى 65 في المئة من الاقتصاد العالمي الا ان العدد يبدو بالنسبة للكوسوفيين محبطاً خصوصاً في ما يتعلق بالعالم العربي والإسلامي الذي يشتمل وحده على عدد مساو من الدول (57 دولة). ويلاحظ هنا ان النزاع الصربي - الكوسوفي ينتقل في شكل ما الى دول العالم العربي والإسلامي، حيث تنشط الديبلوماسية الصربية سواء مباشرة أو بواسطة الديبلوماسية الروسية لعرقلة الاعتراف العربي والإسلامي بكوسوفو تحت حجج ومسميات مختلفة. ومع ان الحكومة الصربية الحالية قد أعلنت ان على رأس اولوياتها انضمام صربيا الى الاتحاد الأوروبي، ووضعت نهاية 2009 كسقف لكي تحصل صربيا على الاقل على وضع دولة مرشحة، الا أن وزير الخارجية فوك يرمتيش يجد «لغة مشتركة» مع بعض وزراء الخارجية العرب والمسلمين حين يتحدث عن «احياء» حركة عدم الانحياز، التي لم تعد موجودة سوى على الورق ولأجل تسريب بعض المواقف التي تخدم هذه الدولة أو تلك. من جهة أخرى، وفي سياق متصل بعدم الانحياز، تعزف صربيا أحياناً على أوتار يوغسلافيا التيتوية التي لا تزال تتمتع بسحر خفي لدى بعض الوزراء المخضرمين من العرب والمسلمين. وقد روى مفتي كوسوفو الشيخ نعيم ترنافا في ندوة بعمان كيف انه التقى في ندوة دولية وزيراً جزائرياً، وحين جرى الحديث عن الاعتراف بكوسوفو انتفض الوزير الجزائري وقال «ان الجزائر لا تنسى ابداً دعم يوغسلافيا التيتوية لاستقلال الجزائر!». والمستغرب هنا، كما يقول المفتي وغيره، ان من دمّر يوغسلافيا التيتوية هو مشروع «صربيا الكبرى» الذي قاده سلوبودان ميلوشيفتيش خلال 1986-1990 وأدى الى انهيار يوغسلافيا عام 1991 وما لحق بها من حروب ومآس. ويضيف المفتي «مع ان كل شعوب يوغسلافيا السابقة تعاطفت مع كفاح الجزائر للاستقلال، ولكن شعراء كوسوفو بالذات كانوا أكثر من غنوا ونشروا قصائد عن الجزائر، بل ان «جزائر» تحول الى اسم علم لبعض الألبان منذ ذلك الحين». وقد علق على الأمر ديبلوماسي عتيق من يوغسلافيا السابقة كان قريباً من تيتو، اذ عبر عن دهشته كيف ان الكوسوفيين لا يتنبهون الى أهمية هذا «النزاع» الدائر حول «يوغسلافيا التيتوية» ولا يبرزون ما لديهم من رموز تيتوية في الديبلوماسية الكوسوفية. والحق يقال ان في كوسوفو، كما في البوسنة، يلاحظ انقطاع مع ذلك الجيل القديم الذي يحسب على «العهد الشيوعي»، وبالتالي يحق للمرء ان يسأل عن أمثال رئيف دزداريفيتش وحازم فلاسي وغيرهم الذين كان لهم اسم وحضور في يوغسلافيا التيتوية وفي العالم العربي والإسلامي. هناك مثل آخر على هذا «النزاع» الصربي - الكوسوفي، الذي برز أخيراً مع اعتراف جزر المالديف بكوسوفو في 19/2/2009. وقد جاء اعتراف هذه الدولة ، التي تتألف من أرخبيل من الجزر يصل الى 1200 جزيرة قرب شبه القارة الهندية ، ليوضح كيف يمتد مثل هذا النزاع من قلب أوروبا الى قلب المحيط الهندي. ففي تبريره لهذا الاعتراف قال وزير خارجية المالديف احمد شهيد انه من الطبيعي لدولة كالمالديف يتألف سكانها من المسلمين بنسبة 100 في المئة ان تعترف بكوسوفو الدولة الأولى في اوروبا من حيث نسبة المسلمين فيها (92%). وقال شهيد في هذا السياق «لقد تشاورنا مع الدول المجاورة ومع الدول الأوروبية ومع الدول الإسلامية ومع الولاياتالمتحدة ومع أحزاب الموالاة والمعارضة في كوسوفو ذاتها». ولكن الصحافة الصربية سربت ان هذا الاعتراف جاء مقابل رشوة بمبلغ 2 مليون دولار لبعض اعضاء الحكومة دفعها رجل الاعمال الكوسوفي بهجت باتسولي. وكان باتسولي قد هاجر من كوسوفو في السبعينات حيث بدأ عمله في سويسرا وتحول بعد عدة عقود الى رجل اعمال، وعاد الى كوسوفو بعد 1999 ليستثمر فيها. وقد أسس اخيراً في 2007 حزباً سياسياً جديداً (حزب التحالف الكوسوفي الجديد) وخاض للمرة الأولى انتخابات تشرين اول 2007 حيث تخطى حاجز ال 5 في المئة ودخل البرلمان. وهكذا مع تكاثر الاشاعات فقد اضطر الرئيس المالديفي محمد نشيد بعد اسبوعين فقط من قرار الاعتراف الى اصدار أمر للشرطة بفتح تحقيق حول هذا الموضوع. ونفى باتسولي بشدة هذه الإشاعات أو الاتهامات وقال انها مغرضة. وبيّن بهذه المناسبة ان وفداً صربياً كبيراً مؤلفاً من 21 شخصاً يمثلون «مركز تطبيق العمل السلمي والاستراتيجيات» CANVAS قد زار جزر المالديف والتقى مع أحزاب المعارضة هناك لحثها على عرقلة أو معارضة القرار المتعلق باستقلال كوسوفو.