(الدقه الرابعه ) رعد موجات الطائرات المحلقة فوقنا صم آذاننا ، برق انفجار القذائف المروعة التي تنهال فوق رؤوسنا يضيء الكون من حولنا ، أدخنة النيران التي اشتعلت بكل مكان يكاد يخنقنا ، هدير آلياتهم العسكرية تقتلع كل شيء في طريقها ، هرج و مرج هنا و هناك ، اختلط الحابل بالنابل ، أمطرونا بوابل من الرصاص ، وجدتني أغرق بمستنقع من الأوحال الدموية ، أرفع رأسي فلا أبصر إلا الدم يصبغ الأشياء من حولي ، أرى رجلا هناك يحاول يائسا تثبيت رايتنا التي تتلاعب بها الرياح ، جاءته رصاصة غادرة فجرت رأسه ، رشات من الدماء الذكية خضبت وجهي المذعور ، تراقص المشهد بعيني ، منذ قليل عندما طلب مني أن أكتب عليها بالعربية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، صرخات الفارين من النساء و الأطفال تملأ الفضاء ، وجدت امرأة تصرخ تحاول الفرار ، كانت تمسك بقوة ذراع طفلها الذي فقد جسده ، اتسعت عيون الذين يحاولون الفرار من هول الكارثة ، انزلق البعض و هم يحاولون الخروج من مستنقعات دماء الملايين من الجثث التي تكومت هنا وهناك ، يزحفون بكل ما آتاهم الله من قوة للفرار من هذا الجحيم ، انفجار هائل مزق المشهد بعيني ، حاولت الفرار ، تعثرت ، ارتطمت رأسي بالأرض ، مذاق الدماء مازال بفمي ، تدوسني أقدام الفارين ، تحاملت على ذراعي المتبقية ، أحاول عبثا النهوض ، بالكاد نجحت ، دخلنا إلى داخل المسجد الملجأ الوحيد الذي تبقى بعد القصف ، حاولت استبيان المشهد من حولي ، وجدت عيون ترمقني من بين الدخان الكثيف ، كان ممسكا ببندقية في يده ، حاول التغلب على آلامه و بادرني بابتسامة ، زحفت أجلس إلى جواره ، ناولني إناء به ماء ، أخذته منه ، تجرعت مما تبقى به ) سألني بهدوء : من أنت أيها الفتى ؟ و ما الذي أتى بك هنا ؟ ملامحك ليست صينية ، يبدو لي أنك.. هندي .. عربي أو ... أنا عربي . و لكنني كنت أتابعك عن كثب ، لقد أبليت حسنا ، و لكن ما الذي أتى بك إلينا ؟ و ا الدافع لديك للوقوف في صفنا ؟ لقد جئت أبحث عن المظلومين و المغلوبين ، نعم جئت أبحث عن صديقي جيفارا ، توقعت انه هنا ، نعم ، لابد انه هنا ، فلقد قال ( أينما يوجد الظلم فذاك وطني ) و لا أرى في العالم أجمع ظلما أكثر مما أنتم فيه الآن ، و لذلك جئت أبحث عنه هنا . و من صديقك هذا ؟ لم أسمع به هنا . هو من يحس على وجهه بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم ، كل صفعة ، فما بالك بكل هذه الدماء ؟ و ما بالك بكل هذه الجماجم التي تكتسي بها الأرض حتى الأفق ، و لكن عندما أتيت و وجدتكم من إخوتي ، وجدت الدماء تغلي في عروقي ، كيف لي أن أرحل باحثا عنه و أنا أرى أطفال المسلمين يذبحون و تراق دمائهم أمام عيني ، كيف أرحل لأبحث عنه و أنا أرى أخواتي المسلمات يغتصبن أمام عيني ، ألستم مسلمون ؟ نعم يا بني و الحمد لله ، بارك الله فيك ، بارك الله فيك . و لكن لماذا كل هذا ؟ و من هؤلاء الأوغاد ؟ هؤلاء من لا دين لهم . لا دين لهم ؟ نعم يا بني ، فكما استباح السفاح ( ستالين ) دماء إحدى عشر مليونا من المسلمين ، استباح الصينيون دمنا ، ارتكبوا بحقنا الكثير من المذابح الجماعية ، بلغ عدد قتلانا مائة ألف ، ليس هذا فحسب بل استقدموا مهاجرين بأعداد كبيرة جدا ليستوطنوا ببلادنا لكي تقل نسبة المسلمين ، و غيروا اسم البلاد و جعلوها (سينجيانج ) ، ألغوا الملكية الفردية ، سرقوا كل أموالنا و بيوتنا و أرضنا ، أعلنوا أن الإسلام خارج عن القانون ، و يعاقب كل من يعامل به ، حرقوا المصاحف ، و كانوا يقذفون شيوخنا بنعالهم ، كانوا يجرون ورائي و يضربونني بعصيانهم يقذفونني بالحجارة حتى تسيل الدماء من رأسي ، منعونا من السفر للحج ، منعوا دخول أي من المسلمين إلينا ، هدموا مساجدنا و حولوا البقية إلى أندية لجنودهم ، جعلوا اللغة الصينية هي اللغة الرسمية ، استبدلوا الأحاديث النبوية بتعاليم و كلمات زعيمهم . لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أي بشر هؤلاء ؟ ليس هذا فقط ، بل أرغموا بناتنا و نساءنا على الزواج من الرجال الصينيين ، و كان أهم شعار لديهم هو ( الغوا تعاليم القرآن ) لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و لماذا كل هذا ؟ بحجة القضاء على الثورة المضادة كما فعلها ستالين بحجة تعرضه لمحاولة اغتيال اعتقلوا الآلاف ، حكموا بالإعدام على أكثر من 800.000 شخص ، زعيمهم تفاخر بأنه دفن ست و أربعون ألفا من العلماء أحياءا ، غير معقول ، لا لا ، غير معقول ، هناك بشر بهذه الوحشية و الدموية ؟ أي دين هذا و أي شرع و أية إنسانية هذه التي تتيح لأي إنسان مهما كانت سطوته و مهما كان جبروته أن يفعل بأخيه الإنسان شيء كهذا ؟ و لكن صبرا ، ف و الله إنه سيأتي ليخلصكم مما أنتم فيه ، سيأتي لينقذكم من هذه المهانة ، سيخلصكم من هؤلاء الوحوش التي لا قلوب لهم ، نعم سيأتي ، لقد سمعته بأذني ، إنه يعتبركم أنتم الصينيين الخط الثوري الوحيد الجدير بالاحترام في هذا العالم ، لقد اختلف مع رفاقه أمامي ، لقد أطلقوا عليه النار لأنه غير مقتنع بما يفعله السوفيت ، لقد قال أنه يكن لكم انتم الصينيين كل المحبة و التقدير ، إنه يعشق زعيمكم عشقا ، لقد سمعته بأذني يقول : ( ماو تسي تونج ) هو الثوري الوحيد في هذا العالم . ( عندها جحظت عينا الرجل و ارتعد جسده بشدة ، حاول السيطرة على نفسه ، خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيه المرتجفة ) من قال هذا ؟؟؟؟ صديقي ( جيفارا ) الذي أبحث عنه ، هذا الذي سيحرركم . صديقك هذا المدعو ( جيفارا ) هو الذي سيحررنا ؟ نعم ، لقد أقسم أنه أينما يوجد المظلومين و الضعفاء فذلك وطني . ( ضرب الرجل كفا بكف ) لا حول و لا قوة إلا بالله ، و تقول أيضا أنه يعشق ( ماو تسي تونج ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ نعم بل يرى أنه الخط الثوري الوحيد الصحيح في هذا العالم . ( أخذ الرجل يضحك و يضحك ، حتى رأيت الألم يسيطر على قسمات وجهه ، حاول المسكين السيطرة على ضحكاته و لا فائدة حتى أشفقت عليه من كثرة الضحك و الألم ، و أخيرا سيطر على لسانه ) أتبحث عن صديقك هنا ؟ نعم لقد سمعته يقول .... ( قاطعني الرجل ) يقول ؟؟؟؟ صديقك هذا تبحث عنه على الجبهة الأخرى و ليس هنا . على الجبهة الأخرى ؟؟؟؟؟؟ نعم يا بني فزعيمهم الذي كنت أحكي لك عنه و عن ما فعله بإخوانك المسلمين هو ( ماو تسي تونج ) الذي يعتبره صاحبك المدعو ( جيفارا ) الخط الثوري الوحيد في العالم ، و هؤلاء الصينيين الذي يعجب بهم صاحبك هم هؤلاء الذين حرقوا مصاحفنا و هدموا مساجدنا و سفكوا دماءنا و استحيوا نساءنا و قتلوا و صلبوا أبناءنا ، لا لشيء إلا لأننا مثلك مسلمون أيها الأبله . ( دارت الدنيا من حولي ، لم أحس بشيء بعدها كلما حاولت تذكر ما حدث تخونني الذاكرة ) ( يتبع )