مع دخول شهر رمضان يكون القائمون على مدفع الإفطار قد أعدوا العدة لتجديد تلك الذاكرة الرمضانية لإحدى أبرز سمات ورموز وطقوس الشهر الكريم فيما يخصُّ إعلان دخول شهر الصوم وخروجه، حيث تطلق مع دخول شهر الصوم احتفاءً سبع قذائف صوتية ليعلن دخول رمضان المبارك بعد أن استيقظ من بياته السنوي في غرفته المخصّصة له في مقر إدارة المهمات والواجبات في مكة المكرّمة. ويتم تنصيب المدفع على مساحة صغيرة لا تتجاوز عشرة أمتار في مثلها بحيث يطل على مكة المكرّمة من فوق جبل أبو المدافع ويستخدم له قذائف صوتية، فيطلق طلقة عند دخول وقت الإفطار وأخرى عند دخول وقت السحور، وطلقتان للإعلان عن الإمساك يومياً.
ويستهلك مدفع الافطار 150 طلقة منذ دخول رمضان وحتى إعلان عيد الفطر المبارك.
ومن المعتاد أن تتم صيانته وتهيئته قبل كل دخول الشهر وبعد نهايته أيضاً حيث يرعاه عددٌ من الفنيين ورجال الأمن سواء في أثناء وجوده على جبل أبو المدافع أو في مقر إدارة المهمات حتى مع تعدُّد بعض المدافع في بعض الفترات السابقة في مكة في عدد من أحيائها مثل أعالي جبل هندي والقشلة والمسفلة والفلق وغيرها.
ومثلما هو في المملكة هو أيضا في الدول العربية كافة يطل مع رمضان ومع وجود كل الوسائل التقنية - إضافة طبعاً للأذان كوسيلة أساسية عند المسلمين -، مع كل ذلك يحرص كثير من الدول وفي مقدمتها المملكة على الحفاظ على هذا التقليد الذي ارتبط بالأذهان بروحانية الشهر الكريم.
ويستخدم المدفع ذخائر صوتية تسمع من كل أنحاء مكة المكرّمة ومع النقل التلفزيوني أصبح يسمع في كل أنحاء العالم، ويصدر عن المدفع دخانه المعتاد من عملية احتراق البارود، ومع التطوير الأخير أصبح شبه آلي فالقذيفة جاهزة وبضغطة زر يتم الاطلاق فيتم كل شيء بعدما كان الأمر يتم سابقاً بكبس القذيفة يدوياً ثم تطلق بحبل يسحب للخلف بشدة. وهو بالجملة عبارة عن دولابين كدواليب العربات والقذيفة العائدة له عبارة عن حشوة قماش من الكتان معبأة بالبارود ومتصلة بكبسولة يضعها الجندي في المدفع ويطلقها بواسطة حبل رفيع.
وحول تفاصيل صيانته يتم وضع قضيب في نهايته قطعة من القماش مبتلّة بزيت السلاح لتنظيفه من أثر الطلقة ثم تقفل حجرة الاحتراق بعد تنظيفها لمنع دخول الأتربة أو الحشرات وتتم عمليات الصيانة بالطريقة نفسها على فترات دورية خلال العام.
وتراث هذا التقليد الرمضاني يعود في ذاكرة التاريخ إلى محاولات المسلمين على امتداد تاريخهم ابتكار وسائل مختلفة لإعلان موعد الافطار والإمساك حتى ظهر مدفع الافطار نتيجة حادثة غير مقصودة لأحد سلاطين المماليك في مصر، كما تقول الروايات إنه قبل حوالي خمسة قرون كان أحد سلاطينهم يجرب أحد المدافع وصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن الناس أنه قصد إشعارهم بطريقة جديدة واستحسنوها وطلبوا منه الاستمرار. ومن ثم انتشرت الفكرة في بقية البلدان العربية.
وبحسب الدول وتبعاً للتطور الزمني فقد تم استخدام المدفع ليس فقط للإعلان عن وقت الإفطار، بل أيضا لإثبات دخول الشهر وللمناسبات وللأعياد، كما اختلفت أعداد الطلقات التي يطلقها على مراحل زمنية فعند ثبوت رؤية هلال شهر رمضان تضرب المدافع بحسب الدول من 7 - 21 طلقة تبشيراً وإجلالاً، وسبع طلقات إشعاراً بموعد الافطار وعند السحور تسمع طلقة واحدة.
وصولاً إلى طلقة للإفطار وأخرى للسحور واثنتين للإشعار بموعد السحور، كما ان للعيد سبع طلقات وفي بعض الدول العربية 21 طلقة طوال أيام العيد الثلاثة.
لقد اعتاد أهالي مكة خلال أكثر من خمسين عاماً على الشعور بصوت المدافع وجدانياً وروحانياً حيث ارتبط بالصيام. وهذا الإرث الرمضاني مازال يثير دهشة الصغار المحظوظين في المنازل القريبة من مكان إطلاقه فيهرعون لمحاولة مشاهدته بعيون مملوءة بالدهشة والترقب، بل لقد اعتاد كثير من الأسر التي تسكن في منطقة قريبة أن ترى أطفالها فوق أسطح مبانيها القريبة من جبل المدافع لإطلاق مدفع رمضان من فوقه؛ لمتابعة لحظة انطلاق صوت المدفع عند غروب الشمس.
وما من شك أن مدفع الإفطار سيظل أحد التقاليد الرمضانية بنفس قوة حضور تقاليد أخرى مثل الفانوس الرمضاني والمسحراتي وغيره، وإن كانت كلها مما أصبح يخشى عليها من الاختفاء وسط صخب العالم الحديث.