برَّأ الناشط السياسي المستشار محمد سعيد طيب نفسه وموقِّعي بيان بخصوص "محاكمة الإصلاحيين بجدة، وأحداث القطيف المؤسفة" من الدعوة إلى تدخُّل خارجي، متهكماً على التفسيرات التي أوصلته إلى هذا الأمر، وواصفاً إياها ب"العبقرية". وأوضح عبر صفحته في الفيس بوك، بعد أيام من انتقادات طالته، بوصفه أحد الموقِّعين على البيان ضمن 64 شخصاً، من قِبل الكُتّاب الصحفيين وبعض رؤساء التحرير؛ بسبب البيان الأخير، أن البيان دعا إلى نبذ العنف والطائفية، والتمسك بالوحدة الوطنية، وإن تضمن البيان دعوة إلى لجنة لتقصي الحقائق تُشكِّلها الحكومة. وتساءل: "هل هذه مطالبة بتدخل دولي؟ أي عبقرية هذه؟!". وقد انبرى طيب إلى توجيه انتقاداته لبعض كُتّاب الصحف السعودية، ممن قام بمهاجمته في هذا الشأن، واصفاً إياهم ب "الجوقات"، حسب وصفه، وقال: "كنتُ أعتقد واهماً أن عهد (الجوقات) الصحفية قد ولى وانتهى، لكنني كنت مخطئاً". واعتبر أن "المفاجأة الكبرى أن الدروس المُعطاة للموقِّعين على البيان تجاوزت السياسة إلى الأخلاق أيضاً، وأن الجميع يخاطبون الموقِّعين على البيان بأنهم تلاميذ في المدرسة، أو دخلاء على الوطن، وليس شركاء فيه". وأضاف: "على (الجوقة) أن تعي جيداً أن هذا الوطن ليس لفئة معينة؛ إن الوطن للجميع، ونحن على استعداد أن نتلقى من (الجوقة) أي درس في أي عِلْم إلا الأخلاق بخاصة". وأقحم طيب رئيس هيئة مكافحة الفساد في الأمر، موجهاً له رسالة: "أعلم أن مهمتكم شاقة وجسيمة، وخصوصاً بعدما قرأتُ – خلال الأيام الماضية – ما خطته (جوقة صحفية). ما أخطر الفساد حين يستشري إلى العقول والأقلام!". داعياً إياه إلى عقد دورات تدريبية مكثفة؛ لاستيعاب مقتضيات الأنظمة العدلية وما تكفله من حقوق للمواطن "لمنسوبيكم أولاً، وللجهات التنفيذية ثانياً؛لضمان الاستيعاب الواعي منهم لمقتضيات نظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات". ويأتي هذا الرد بعد هجوم من الأقلام السعودية، التي طالت الموقِّعين على البيان؛ حيث وصف رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية سلمان الدوسري الموقِّعين على البيان بأنهم "يُحرضون على التدخل الخارجي في السعودية"، وذكر أن البيان "بليد من أول سطوره إلى آخرها". وتساءل الدوسري: "كيف يتجرأ مَن يزعمون خوفهم على بلادهم بالدعوة الصريحة إلى تكوين لجنة عدلية لتقصي الحقائق؛ فلا معنى لهذه الدعوة إلا أن تكون وسيلة لتدخل أطراف خارجية. فهل يعقلون؟". فيما قال رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط طارق الحميد عن الموقِّعين على البيان: "الخطر فيما يفعله هؤلاء أنهم يقومون بحملات تشويش على الرأي العام، وهو أمر لا تستفيد منه إلا إيران". وقال: "ما هم إلا استمرار لماكينة طهران الدعائية، حتى بات لدينا لوبي إيراني بالسعودية، بل لا يخجل من الظهور على صدر بعض الصفحات الأولى بالصحف السعودية". من جهته قال رئيس تحرير صحيفة الجزيرة خالد المالك في مقال بعنوان "لمصلحة مَنْ هذا البيان؟!": "إن البيان الذي تم توقيعه من قِبل اثنَيْن وستين مواطناً يمثل خروجاً على الضوابط التي أشرنا إليها، سواء باستخدام الوسيلة الإعلامية غير المناسبة لإيصال هذا البيان إلى من رغبوا إيصاله إليهم، أو من خلال الأفكار التي تضمنها بيانهم، فضلاً عن الخلل في الرؤية لمعالجة المواقف التي يتبناها بيانهم؛ ما يعني أنهم لا ينطلقون من رؤية فاحصة وسليمة، وإنما يأتي هذا البيان كسابقاته من البيانات، وللأشخاص أنفسهم، بنوايا مسبقة ومبيتة اعتراضاً وإدانة لكل الأحكام القضائية بحق المسيئين لأنفسهم ومواطنيهم ووطنهم". ووصف المالك البيان بأنه "الإملاءات التي جاءت على شكل مطالب في بيان". مضيفاً: "لا يُعبِّر بالضرورة إلا عن وجهة نظر هذا العدد المحدود من المواطنين. وإن المساس، سواء بالمؤسسات القضائية، وما صدر عنها من أحكام بحق الجناة، أو بالمؤسسات الأمنية التي لولا تدخل رجالها في الوقت المناسب لكان عدد القتلى والجرحى من المواطنين الأبرياء بأرقام يفوق كثيراً ما أشار إليه بيانهم، الذي يطالب بأن يمارسوا ما يمس سلطة الدولة وهيبتها ومسؤوليتها في حفظ النظام والحقوق". وختم المالك مقاله بقوله: "لا نطالب بمساءلة مَنْ وقَّع على هذا البيان أو محاسبتهم، لكننا ندعوهم إلى التفكير والتأمل في خطورة ما ينادون به، ونناشدهم أن يراجعوا مواقفهم في ظل كل هذا التسارع الواضح والملموس والشامل في خطى الإصلاح، الذي يقوده الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ فلا حاجة لبلادنا معه إلى مثل هذه البلبلة والتشكيك وإثارة الفتن، ومن ثم إلحاق الضرر - لا سمح الله - بكل الوطن والمواطنين بإصدار مثل هذا البيان". من جهته اعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، الدكتور أنور عشقي، الذين يعترضون على الأحكام التي حُكِم بها على أفراد ما سُمِّي ب"خلية الاستراحة"، مرجفين في الأرض، معللاً ذلك بأنها أحكام قضائية شرعية. وأوضح - وفق تقرير أعدته صحيفة الوطن - أن هناك قنوات شرعية للاستئناف عليها، منها القضاء، وأخرى سياسية. وأكد أن أمن السعودية يُعَدّ خطًّا أحمر، لا يجب المساس به. لافتا إلى أن أمن السعودية من أمن الإسلام؛ لأنها تحكم بشريعة الله. مفيداً بأن من يطعن فيها لا يتمتع بنوايا حسنة. من جهته قال رئيس حملة السكينة، الشيخ عبدالمنعم المشوح، إن مصدِّري البيانات الرامية للإصلاح أهدافهم "واضحة" بتوسيع الدائرة وخلط الأوراق؛ في محاولة فاشلة لإقحام أهالي القطيف في قضايا فئوية، وهي استغلال غير سوي للظرف والمرحلة. مبيناً أن مسيرة الإصلاح في السعودية الكل يلمسها، ويشعر بها في جميع مناحي الحياة، إلا أن هؤلاء المعارضين يسعون للإصلاح بالفوضى، والجميع يُدرِك أن الإصلاح والتطوير والتصحيح في السعودية لا يُمكن أن تأتي عبر بوابة الضغط. مؤكداً أهمية الشفافية في هذه المرحلة، وسرعة تفعيل قرارات التطوير والتصحيح. وفي الصحيفة نفسها تساءل الكاتب علي سعد الموسى في مقالٍ له بعنوان "البنيان في تفكيك لغة (بيان)" عن الأدلة الواضحة الملموسة التي يتكتمون عليها في هاتين الحادثتين بالتحديد، وسوادهم الأغلب على بُعد مئات أو آلاف الأميال من بؤرة الحدث في القطيف، وكلهم بلا استثناء لم يحضروا وثيقة واحدة من محاكمة علنية مكشوفة، رغم أنهم أو بعضهم يذيّل توقيعه ب"الحقوقي"، رغم أن القطب البارز منهم كان على بُعد أمتار معدودة من مبنى المحكمة! وأضاف الموسى: "هؤلاء وقعوا في الفخ المشبوه؛ لأن بيان التكتل الثقافي الذي يحترم أدنى معايير الرأي هو البيان الذي يناقش القضايا الفكرية، لا البيان الذي يحاكي وقائع ميدانية، ثم يتخذ منها موقفاً صريحاً يقفز به إلى نتائج لم تكتمل أركانها، ولم تفنَّد بعدُ حيثياتها المادية المحسوسة. اقرؤوا البيان ثم حاكموني على لغته". كما أوضح المحامي أحمد بن خالد السديري أن "أي عمل إصلاحي يرغب فيه أحد فليقدمه مباشرة إلى ولي الأمر؛ بحكم ما نعيشه من شفافية في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وقال إن أي مشروع إصلاحي يخدم الوطن لن يتوانى عنه قادة وطننا. معلقاً على مَنْ يقولون إنهم إصلاحيون، ويهدفون أساساً إلى التأثير في أمن الوطن عبر تواصلهم مع جهات خارجية، بأنهم خائنون لوطنهم، ومن يؤيدهم خائن أيضاً. وحذَّر الكاتب بصحيفة الجزيرة محمد عبداللطيف الشيخ الموقِّعين على البيان بقوله: "إن قبلهم كثيرين، منذ (موجة) الانقلابات العسكرية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، (راهنوا) على سقوط النظام في السعودية، ومع ذلك ها هي دول الانقلابات العسكرية تتداعى، وتسقط الواحدة تلو الأخرى، وبقيت هذه البلاد قوية راسخة مستقرة. الفَرْق أنها تنطلق من شرعية دينية، ذات جذور تاريخية ضاربة في أعماق هذه الأرض، ودولة أقامها أهلها، بجهدهم وعرقهم، بل ودمائهم، ولم يقفز إلى السلطة فيها مغامر من على ظهر دبابة في ليلة حالكة السواد، ولم يُخطِّط حدودها مستعمر. أرجو أن يعي الموقِّعون هذه الفروق جيداً؛ فالحسابات الخاطئة ورَّطت كثيرين قبلهم، والعاقل من اتعظ بغيره، وقرأ التاريخ جيداً".