إذا كانت وزارة الداخلية استبقت الجميع في ذي القعدة الماضي داعية مثيري الشغب والفتنة في القطيف الى الاعلان عن ولائهم بوضوح، وهل هو للوطن ام لدولة اجنبية تسيرهم كيفما تشاء، فإن الامانة الوطنية والمهنية تقتضي منا ان ندق الاجراس وبعنف هذه المرة لنسمي الاشياء بمسمياتها ونقول إننا أمام ظاهرة جديدة يمكن ان نطلق عليها «المحرضون الجدد» الذين يحرضون على العنف والفوضى ويبررون جرائم من حاولوا الإساءة للوطن والقيادة ودعم العمليات الارهابية في المملكة والخارج انطلاقا من الاراضي السعودية «فيما عرف بخلية التنظيم السري» . لقد كشف البيان الأخير لمن يدعى بالمثقفين والنشطاء السعوديين بشأن احداث القطيف الاخيرة ومحاكمة خلية الاستراحة عن حجم التحريض على الفوضى والعنف الذي تمارسه هذه الفئة ضد الوطن وابنائه من خلال قدرة عجيبة على ليّ عنق الحقائق رغم ادعاء بعضهم بانهم قانونيون وناشطون في مجال حقوق الانسان.. ان القراءة الاولية لهذا البيان تشير بوضوح الى امتلائه بسلسلة من المغالطات البديهية واللهجة التحريضية والتشجيع على العنف ضد الدولة التى ما فتئت تعمل لمصلحة المواطن. يدعو البيان الى عدم تدخل الامن في ايقاف أي عبث امني تمارسه هذه القلة ضد مواطني القطيف بدعوى حرية التظاهر، كما يشير بوضوح الى ان الإرهابيين الذين حاولوا تشكيل التنظيم السري اصلاحيون وانه ينبغي اطلاق سراحهم بعد الاحكام الاخيرة الصادرة ضدهم فيما يعرف اعلاميا بقضية خلية الاستراحة. وحتى نضع النقاط على الحروف ينبغي الاشارة الى عدد من الثوابت الاساسية حتى نصل الى نتائج منطقية: •• ان التحريض على اثارة الشغب والفوضى تحت دعاوى الاصلاح يظل امرا مرفوضا شكلا وموضوعا، إذ يفتح الطريق امام عرقلة مسيرة الوطن امام فئة قليلة بات واضحا انه ليس امامها من هدف سوى «شرعنة» الفوضى في المملكة من اجل تخفيف الضغوط عمن يعملون من اجلهم بالخارج، وقد باتوا معروفين للجميع، حيث يرتبط هذا التحرك غالبا بالتصعيد في هذه الضغوط. ومن هذا المنطلق يمكن القول بصريح العبارة ان هدف هذه التظاهرات المقيتة هو الخروج على النظام ونشر الفوضى وهو امر لا يمكن السكوت عليه من واقع الشرف المهنى والمسؤولية الوطنية. وفي هذا الصدد يقول اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية في مؤتمره الصحافي الاخير: ان الامن عليه مسؤولية كبيرة في حفظ سلامة المواطنين ومقدراتهم المختلفة انطلاقا من مسؤولياته التي سيحاسب عليها امام الله ثم ولي الامر والمواطن نفسه. •• ان العلاقة القائمة بين المواطن والدولة تقوم على عقد اجتماعي غير مكتوب اساسه رعاية الدولة لمصالح المواطن المختلفة وحقوقه الاساسية مقابل التزامه القيام بواجباته تجاه وطنه ومن ابرزها حماية مصالحة والولاء لقيمه ومبادئه وعدم الخروج عليها لنشر الفوضى. وفي اطار هذه الرؤية التكاملية النهضوية يتحدد المسار العام للاصلاح السياسي والاقتصادي الذي خطت فيه الدولة خطوات جبارة في السنوات الاخيرة، ولعل آخر الخطوات في ذلك السماح بدخول المرأة في عضوية مجلس الشورى والمجالس البلدية في الدورة المقبلة. وفي دولة مثل المملكة بات معروفا للجميع سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها الدولة للاستماع الى مواطنيها بداية من قائد المسيرة خادم الحرمين وحتى امير المنطقة ممثل المليك في منطقته. واذا كان البعض يتشبث بدعاوى الاصلاح من اجل تمرير مخططات ارهابية فوضوية للعبث بوحدة الوطن، فإن من البديهي هنا ان نؤكد ان قيادة المملكة هي الاحرص على الاصلاح المستنير الذي ينهض على اسس واقعية تأخذ مصالح الوطن وحده بعين الاعتبار وترى الوحدة الوطنية خطا احمر لا ينبغى تركه لبعض المرضى نفسيا يعبثون به من اجل مصالح ضيقة ونظرة مبتسرة لواقع الاحداث والتحولات في المنطقة. تحميل الداخلية للمسؤولية •• ان القول بتحميل الجهات الامنية مسؤولية العنف في القطيف امر يثير الشفقة والحزن على المفهوم المغلوط لقائليه، ويستدعي طرح اسئلة منها هل هذه الافعال من قيم وزارة الداخلية التي تسهر على راحة المواطن، هل اقدمت قوات الامن في منطقة ما على القاء المولوتوف واطلاق النيران على المواطنين فقتلت نساء ورجالا، وهل العبث بممتلكات المواطنين من اهداف الوزارة. الا يخجل هؤلاء ممن يدافعون عنهم، واين هم من حمرة الخجل، واذا اجزنا فرضا واعتسافا ان هناك تضييقا امنيا، فلماذا لا تحدث الفوضى سوى في هذه المحافظة فقط. لقد اثبتت السنوات الاخيرة خاصة الفترة من 2003 الى 2010 حجم التضحيات التي بذلها رجال وزارة الداخلية في حماية الوطن من عشرات المحاولات الارهابية الاثمة بفضل العديد من الضربات الاستباقية الناجحة، وكان من ثمار ذلك تجفيف الكثير من منابع الارهاب، وحصول وزارة الداخلية على تقدير مختلف دول العالم لحلولها الشمولية لمشكلة الارهاب اجتماعيا وفكريا واقتصاديا. ويتجلى ذلك بوضوح في الدور الذي تقوم به حملة السكينة لمقاومة الفكر الارهابي بالحجة والبرهان، ومركز الامير محمد بن نايف للمناصحة والدور الذي يقوم به الامير محمد بن نايف شخصيا في متابعة العائدين عن الفكر الارهابي ومساعدتهم لبدء حياة جديدة. •• يغض اصحاب هذه البيان التحريضي الطرف عن مصالح وطنهم، ولا يشغلهم سوى الظهور في الاعلام حتى لو كان ذلك على حساب الدعوة الى تدخل اجنبي في شؤون بلادهم من خلال ما يطلقون عليه «لجنة لتقصي الحقائق» وكأن هناك حقيقة ناصعة البياض اكثر مما يقوم به مثيرو الشغب في القطيف لمصالح دولة اجنبية تتعرض لضغوط خارجية، ثم دعونا نتساءل ممن ستتشكل هذه اللجنة الحقوقية، أمن خبراء امريكيين تقهر بلادهم حقوق الانسان في افغانستان وباكستان والعراق يوميا، حتى وصلت الى سحل المتظاهرين في وول استريت اخيرا، ام خبراء من فرنسا التي تتصدى بعنف شديد لحقوق الاقليات من اصول عربية بها. •• إن الدعوة الى الاصلاح وإلغاء التمييز القبلي والمناطقي يقودها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبد العزيز منذ سنوات بعيدة وحتى قبل توليه زمام القيادة، ويتجلى ذلك بوضوح فى اعلانه عن ضرورة تكريس التنمية المتوازنة بين مختلف المناطق وان تأخذ المناطق الاقل حظا في التنمية نصيبا اكبر من الاهتمام في السنوات المقبلة وهو ما بدأت ثماره تتضح بالفعل. وفي هذا الاطار شارك المثقفون الشيعة في اولى جلسات الحوار الوطنى التى نظمها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطنى والتي تصدت لقضية الارهاب، كما تواصلت مشاركتهم في جلسات الحوار التي تناولت القضايا الوطنية التي تحتاج الى اصلاح كبير مثل التوظيف ووضع المرأة والخدمات الصحية والاجتماعية، أي ان الشيعة لم يكونوا في يوم من الايام بعيدين عن الرؤى المستقبلية التي يجرى بلورتها لتوضع امام صاحب القرار لاتخاذ ما يراه مناسبا. إرهابيون جدد لكن ثالثة الاثافي في هذا البيان الغريب الصارخ بالتناقضات هي دعوة هؤلاء الذين يطلقون على انفسهم مثقفين اصلاحيين لاطلاق سراح المتهمين في قضية خلية الاستراحة بدعوى انهم اصلاحيين ولم يكن هناك أي داعٍ لمحاكمتهم من الاساس. وهنا لنا بعض التساؤلات: •• ألستم انتم الذين دعوتم طويلا الى ضرورة محاكمة اعضاء هذه الخلية وهو ما تحقق بالفعل بحضور حقوق الانسان ووسائل الاعلام، وقد مكن اعضاء الخلية من الاستعانة بمحامين للدفاع عنهم، إذ لماذا هذا التشكيك الان في احكام القضاء واول مبادئ الليبرالية التي تدعون اليها هي احترام القضاء ومؤسسات الدولة، ام انها المصالح الضيقة والوقوف في موقف المخالف على طول الخط. •• ويبقى اللافت هنا هو المعايير المغلوطة التي تستندون اليها في تصنيفكم لاعضاء هذه الخلية بالمصلحين، وهل أصابكم العوار الى هذه الدرجة ونحن هنا نسأل ضمائركم اذا كانت حية: هل وصلتم الى الدرجة التي تبررون فيها لهؤلاء الذين حاولوا تشكيل تنظيم سري لدعم الإرهاب والتشكيك في القضاء والعلماء ورموز الوطن وتشجيع الاعمال الارهابية في داخل المملكة وخارجها وايواء عناصر ارهابية مسلحة وجمع التبرعات لدعم الارهاب في العراق وغيره من الدول. اسألكم بالله هل كنتم ستعتبرون هؤلاء مصلحين حقا لو فقدتم ابنا او قريبا لكم بسبب العمليات الارهابية لهذه الطغمة التي تفيض حقدا على هذا الوطن. واذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن ما ذهبتم اليه من تشجيع للفوضى في المملكة ونشر التطرف والارهاب يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بانكم من مؤيدي بن لادن وزعماء القاعدة وخلاياها التي ما فتئت لسنوات تسعى بجهود مشؤومة غير مسبوقة للقيام باعمال ارهابية في بلادكم. ان هذا البيان المشؤوم كشف بما لا يدع مجالا للشك عن وجود فئة مشوشة التفكير تدعي السعي الى الاصلاح وهي منه براء، لان ما تهدف له بوضوح هو نشر الفوضى في البلاد والتشجيع على الارهاب والتطرف الفكري والخروج على اي نظام لا يتفق مع هواهم الشخصي ومحاولة الافتئات على جميع المواطنين بالقول بمشاركتهم في اعداد وثيقة شركاء في الوطن وهم لا يعلمون عنها شيئا. لقد صدقت الاراء المتعددة التي اكدت سابقا، ان الخلايا الارهابية ما كان لها ان تتجذر في المملكة الا بوجود تعاطف فكري معها من مثل هؤلاء الذين يدعون سعيهم الى الاصلاح الذي لا يمكن ان يكون باثارة الشغب والفوضى والخروج على الانظمة والتقاليد المرعية. وهنا في اعتقادي ان مسؤولية المخلصين لهذا الوطن اصبحت كبيرة في ابراز طرق الاصلاح الحقيقي للوطن وايضاح سبل النهوض به، كما ان الجهات الخدمية مطالبة ببذل دور اكبر ولا شك في تعزيز جهودها نحو التعاطي مع تطلعات المواطنين وحل مشاكلهم في كل مكان. وعلى المستوى الفكري والاكاديمي بات حريا بالاكاديمين والعلماء ايضا التصدي لتعرية هذا الفكر الملتوي المشبوه الذي يدعي الاصلاح وقد ظهرت نواياه الحقيقية وهي لا تريد خيرا بهذا الوطن ولا ابنائه سوى الظهور في الاعلام لارضاء غرورهم. ان اي منصف لا يمكن ان ينكر على الاطلاق وجود اخطاء في اي عمل بشري ينشد الاصلاح والنجاح، وهو هنا له اجران، الا انه لا يمكن ان يقر بالفوضى وازهاق الارواح الذكية التي قال الله عنها ان حرمتها عنده اشد من حرمة الكعبة المشرفة. اننا سنظل في حاجة دائمة الى الشد من ازر رجال الامن في ميدان الشرف من اجل حماية الوطن وابنائه ضد الارهاب حتى لو استمر ذلك لسنوات طويلة، فهل ستستمرون انتم دعاة الاصلاح المزعوم على غيكم في تشجيع الفوضى والتطرف والشغب.. اعتقد اننا جميعا مطالبون بان نقول لكم -لا - صريحة مع الدعوة الى محاكمتكم بدعوى التحريض على الفوضى، وليعتبر الادعاء العام هذه السطور بمثابة بلاغ عاجل للتحرك بهدف اقامة الدعوة القضائية ضد هؤلاء الذين يدعون الاصلاح بتهمة التحريض على الفوضى والارهاب.