طالب كُتَّاب وأكاديميون، وزارة الشؤون الإسلامية؛ بتطهير المخيمات الدعوية من المتطرفين، وفرض رقابة مشددة؛ حتى لا تُسْتَغَلَّ تلك المخيمات في أغراض من شأنها الإخلال بالحياة العامة، مشيرين إلى إن المخيمات الدعوية طالتها خلال الأعوام الماضية سلسلة من الاتهامات للفعاليات الثقافية والفكرية، موضحين أن البعض استغلها لتصفية حساباته مع الآخرين، وتمرير رسائل تحريضية ضد كل من يخالفهم الرأي، في ظل سيطرة المحافظين على تلك المخيمات. وشددوا على ضرورة فرض رقابة مشددة على كل مجريات المخيمات الدعوية وتقديم برامج دعوية وترفيهية تتفق مع تطلعات الشباب، وتطوير الفكر الدعوي مع معطيات المرحلة، والاهتمام بتفعيل الجانب التطوعي حماية للشباب السعودي من الأفكار المتطرفة، التي أخرجتهم بدعوى الجهاد إلى المواقع المجهولة بعد عمليات غسل الأدمغة تحت ستار الدين.
"الإخوان" و"السروريون": وأكد عضو مجلس الشورى، الدكتور عيسى الغيث؛ موقفه من المخيمات الدعوية، قائلاً: "يجب النظر إلى ثلاثة أمور؛ أولها انتماء القائمين على هذه المخيمات إلى أي جهة، وهل هو انتماء حزبي أو متشدد أو تقليدي، وبالتالي يمكن الحكم عليها بناء على ذلك".
وقال: "المخيمات الدعوية بالمملكة تدار في غالبيتها من قبل التنظيم ألإخواني والسروري، الذين يقومون بتوجيه الشباب واستقطابهم في التعليم العام وعبر الجمعيات التوعوية الإسلامية والجامعات والكشافة والجوالة، وحلقات تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية، التي تعتبر أذرعة لتجنيد الشباب السعودية، ليس وفقًا لأيديولوجية يرسمونها لهم؛ وإنما بهدف صناعة هؤلاء الشباب لتحقيق أجندة تحقق أهدافًا معينةً تقوم هذه الأجهزة بإدارتها وتحول هؤلاء الشباب إلى قبائل لا تملك مصيرها، وتعمل بالريموت كنترول".
التطهير و"الشؤؤن": وأضاف: "الأمر الثاني: مدى شرعية ورسمية هذه الجهات وقيامها بواجبها؛ وفقًا للهدف المرسوم لها، وقال: "لابد من النظر لهذه المخيمات ومعرفة ما لها وما عليها ومخرجاتها والمصالح المتحققة منها".
وأبان: "من المعروف أن من المخيمات والمناشط الدعوية التي تقوم عليها جماعة الإخوان والسروريون لا يقبلون فيها بأي منشط دعوي، إلا أن يكون صاحبه معهم أو ليست لديه آراء تخالفهم".
وأشار إلى أنه يجب على الجهات الحكومية القيام بواجبها، وكذلك جهات المجتمع، بدلاً من أن تكون مؤيدة، ويجب عليها أن تكون مستيقظة وواعية لما هي عليه هذه المخيمات، فما يجري فيها من تجنيد الشباب معروف من عشرات السنين من خلال المراكز الصيفية والكشافة، مؤكِّدًا أنه لا توجد رقابة كافية على هذه المخيمات التي تقيمها المكاتب التعاونية تحت مظلة الشؤون الإسلامية.
وختم حديثه قائلاً: "متفائل جدًّا، والمستقبل سيكون واعدًا بعد تولِّي "أبا الخيل" إدارة وزارة الشؤون الإسلامية؛ فكما طهَّر جامعة الإمام من المتطرفين فسيعمل على تطهير الوزارة بكافة فروعها ومكاتبها في كافة مناطق المملكة.
الاهتمام بالتجربة الكشفية: ويقول الكاتب مجاهد عبد المتعالي: إن المخيمات فكرة مطلوبة على المستوى الإنساني، وليست حكراً علينا، بل العالم أجمع يهتم بها؛ فمن خلالها تتم تنشئة الشباب على الروح الوطنية عبر ما يعرف بمصطلح (الكشافة)، والتي تهتم وتركز على الجانب التربوي التطوعي غير السياسي، ولنركز هنا على مصطلح (غير السياسي)، وعليه فلو اهتمت الشؤون الإسلامية بالتجربة الكشفية على المستوى الدولي كمنظمة دولية معترف بها، والاستفادة من تجربتها وفق معايير تتناسب ومهام الوزارة، من خلال خلق أرضية صلبة من التعاون ما بين وزارة الشؤون الإسلامية وجمعية الكشافة العربية السعودية عبر تبادل الخبرات وفق معايير تجربة الجمعية الطويلة منذ إنشائها عام 1381ه ، بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم 22 وتاريخ 9/4/1381ه.
مسمى غير مناسب: وأضاف: "وحيث إن للجمعية تجربتها التي تثبت تركيزها على جانب رعاية الشباب وفق المعايير الوطنية، بعيداً عن التجاذبات السياسية أو الفكرية التي وقعت فيها المخيمات قديماً، وخصوصاً من خلال المسمى غير المقبول مخيم دعوي في بلد نسبة المسلمين فيه مائة بالمئة فمن يدعو م؟، ولهذا فالتعاون- كما ذكرت- بين جمعية الكشافة العربية السعودية ووزارة الشؤون الإسلامية؛ سيعطي المخيمات بعداً تنظيمياً يحمل مهنية أعلى في رعاية الشباب، وفق معايير وطنية عالية أكثر ثراء وتنوعاً ووصولاً لشرائح اجتماعية أوسع، تتناسب وما تتوجه إليه الدولة في سياستها التعبوية لأبناء هذا الوطن، بعيداً عن معاناتنا القديمة مع المخيمات التي استفاض كثير من المخلصين بمختلف توجهاتهم في إيضاح ما ظهر منها وما بطن.
إجابة لتساؤلات: من جهته أكد الأكاديمي في قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، الدكتور طلال الضاحي؛ أن المخيمات الدعوية تقام دون أي رقابة، وهذا موضع تساؤل كبير، يجب أن نبحث عن إجابته وأن نقف طويلاً عند الإجابة الشافية، فلو افترضنا جدلاً أن هذه المخيمات تقوم بالدعوة إلى الله؛ فهَلْ مَنْ يقدم برامجها يمتلكون المؤهلات الشرعية والنفسية الكافية للقيام بهذا الدور؟.
التغرير والإرهاب: وتابع: "نحن في الحقيقة أمام ظاهرة إرهاب، ولكي نسمي الأمور بمسمياتها يجب أن نعرف أسبابها وأسباب ما يحدث لشبابنا ونعرف المسؤولية الحقيقية تقع على من؟، فهناك الكثيرون من شبابنا ضمن قوائم الإرهاب في الداخل والخارج، وعشرات منهم ذهبوا للجهاد خارج الوطن، فمَن السبب ومن أوصَلَهم لهذه الحالة؛ فما حدث ليس من فراغ ومن حقنا أن نحافظ على أبنائنا وأن نعرف ما يحدث لهم ومن يغرر بهم؟.
رقابة مشدَّدة: وأوضح: "لا أستطيع أن أَدَّعِي مسؤولية المخيمات الدعوية عن هذا السلوك، أو أنفي عنها المسؤولية؛ لكي نكون أمناء لذلك أطالب أن تكون هناك رقابة مشددة من وزارة الشؤون الإسلامية بكافة مناشطها، وأنا لا أطالب بمنعها وإنما يجب أن يتم توجيهها التوجيهَ السليمَ فيما يخدم الدين والمواطنة الحقة، وأن يتم من خلالها استغلال طاقات الشباب، وتزويدهم بالعلم والمهارات النافعة التي تخدمهم، مع الاهتمام بدراسة أسباب ظاهرة الإرهاب، ولا يمكن أن نرمي التُّهم على المخيمات، ولكننا نحتاج إلى بحوث ودراسات أمنية للوقوف على الأسباب ووضع الحلول.
مقترحات للتطوير: واقترح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود، الدكتور منصور العسكر؛ تطوير معطيات المخيمات الدعوية والعمل على إيجاد رقابة واعية تتابع احتياجات المجتمع والعالم، وأن تتناول حياة الشباب بشكل متكامل وليس بمعزل عن العالم، وبيَّن العسكر أنه يمكن استثمار المخيمات في توجيه الشباب نحو تطوير الذات وصقل المواهب، ونحو العمل المهني والتطوعي، بعد أن تتم إدارتها بعيدًا عن العشوائية والارتجال.
وقال: "ما قد يحدث من سلبيات هو عبارة عن سلوكيات فردية لا تعبر عن وزارة الشؤون الإسلامية، ولا عن توجهاتها؛ فهي وزارة واعية وقائمة بدورها في تقديم الخدمات الدينية والتثقيفية على أكمل وجه، مبينًا أن هذه المخيمات سيكون لها أثرٌ إيجابيٌّ كبيرٌ إذا تم استغلالها بالشكل السليم والتخطيط للفائدة الكبيرة التي ستعود على المجتمع، والعمل على إيجاد النظرة الإيجابية للدين الإسلامي والتعريف بالدين الصحيح ومبادئه".
إشراف ومتابعة: ويضيف أستاذ أصول الفقه بجامعة الطائف، الدكتور فهد الجهني، قائلاً: "لقد دخلت إلى عالم إدارة المخيمات عندما أشرفت على المخيم الدعوي التابع لإنارة مكةالمكرمة، ولا شك أن المخيمات الدعوية من أهم أساليب الدعوة، وحتى تحقق نجاحها للمقاصد يجب أن يتوافر أمران؛ الأول أن تكون تحت إشرافٍ ورقابةٍ من قبل الجهات المعنية؛ وهي وزارة الشؤون الإسلامية، والثاني أن تتوافر في المخيمات إدارة واعية وعلى قدر كبير من التأهيل العلمي والإداري".
رؤية وأهداف: وتابع: "من المهم وضع رؤية وأهداف ووضع الأنشطة والبرامج، فعندما لا تكون هناك رؤية لدى المشرفين التنفيذيين؛ فإنها لا تحقق أهدافها فلا بد من إستراتيجية وخطة عمل دقيقة تَفِي باحتياجات المجتمع والوطن، وقال: إنني بحكم تجربتي السابقة يجب أن يتم الاهتمام بها وإخراجها من القالب التقليدي للمحاضرات والدروس؛ لأن الهدف منها نشر العلم بالدرجة الأولى وإلقاء المحاضرات والدروس".
وبين: "من الضرورى الترفيه وإيجاد أسلوب جديد ومنظم للتوعية، بما يحفظ أوقات الناس ويقدم فوائد علمية وسلوكية واجتماعية؛ ليكون هناك خليطٌ من الترفيه والتوجيه، فعندما تثبت الأمور عند هذا الحد فإن الرؤية تتضح وتتحقق الأهداف، وقال: إن المخيمات الدعوية يمكن أن تكون سلاحًا فعالًا في توجيه المجتمع عندما يتم توظيفها بالشكل السليم؛ لتتلاءم مع واقع المرحلة عن طريق إيجاد برامج مميزة يقوم عليها أهل العلم؛ لكي يتم الاهتمام بتوجيهها بشكل جاذب للشباب، والخروج من تقليدية المحاضرات إلى الخطاب بشكل الجديد والتطوير والتحديث في أسلوب الدعوة".
الأبناء والأفكار الضالة: وأوضح الشيخ الداعية الدكتور أحمد المعبي، أن المخيمات الدعوية تقع ضمن إدارة البحوث والدعوة والإرشاد، ويوجد بها برامج ومحاضرون على مستوى رفيع، ولكننا نحتاج إلى زيادة الرقابة عليها في الوقت الحالي؛ لمعرفة كل ما يؤثِّر في الشباب السعودي؛ فربما يتسلَّل بعض المغرضين عبر هذه المخيمات ويبثُّون سموم أفكارهم في نفوس أبنائنا، مبينًا أننا نحتاج إلى الوعي الكامل بكافة مجريات الأوضاع في هذه المخيمات وما ينتج عنها من أنشطة وتجمعات، والتي قد لا تكون تحت الرقابة؛ فهي ملتقى لتعارف الشباب، ولا نعرف ماذا يمكن أن ينتج عنها؛ مما يتطلَّب الوعي الكامل والرقابة على كل ما يقدم أو ينتج عنها؛ فهؤلاء أبناؤنا وتجب علينا حمايتهم من أي فكر ضالٍّ، وهي مسؤولية المجتمع الذي يجب أن يبلغ عن أي إشكاليات ويدافع عن أبنائه ويحميهم من الأفكار التي تتسبب في خروجهم إلى أماكن يجهلونها؛ بدعوى الجهاد.