يعد مؤتمر "جنيف 2" حدثاً مهماً ومفصلياً للثورة السورية، وهدفه الرئيسي هو إنشاء حكومة انتقالية من دون بشار الأسد ومن تلطخت أيديهم بالدماء، وهو ما يعد نجاحاً كبيراً للثورة السورية، وحضور وفد النظام برئاسة وليد المعلم هو إقرار بضعف النظام السوري، وبأن "جنيف 2" ما هو إلى حفلة مفاوضات لرحيل النظام. ذلك ما أكده وزير الخارجية الأمريكي الذي صرح قبل أيام في موقف صارم ولافت بأن الهدف من "جنيف 2" هو البحث في انتقال السلطة لحكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، لا تضم الرئيس السوري بشار الأسد، متهماً النظام السوري بالتسبب في دخول الإرهاب وتفاقمه في سوريا.
"سبق" تستعرض أبرز نقاط "جنيف 2"، وهي وجوب تشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذية، وتتضمن:
- يمكن للحكومة الانتقالية أن تضم أعضاء في الحكومة الحالية والمعارضة، وستشكل على قاعدة التفاهم المتبادل بين الأطراف.
- على الحكومة السورية أن تسمي محاوراً فعلياً عندما يطلب المبعوث الدولي ذلك، للعمل على تنفيذ خطة النقاط الست والخطة الانتقالية.
- يجب أن تمكن جميع مجموعات وأطياف المجتمع السوري من المشاركة في عملية الحوار الوطني.
- من الممكن البدء بمراجعة للدستور إضافة إلى إصلاحات قانونية، أما نتيجة المراجعة الدستورية فيجب أن تخضع لموافقة الشعب.
- بعد الانتهاء من المراجعة الدستورية، يجب الإعداد لانتخابات حرة ومفتوحة أمام الأحزاب كافة، وسيكون أهم حدث في إقرار الاتفاقية هو أن يتم إعلان وقف إطلاق النار وسحب النظام السوري معداته العسكرية من الشوراع وعودة النازحين، وهو ما يعده الخبراء والمتابعون انتحاراً للنظام السوري، حيث إنه بمجرد انسحاب القوات السورية وسحب آلياتها من الشوارع ستعود المظاهرات لتملأ الساحات والميادين، وهو ما يخشاه النظام السوري وسيعجل بزواله.
ولا يستطيع النظام السوري التنصل من الاتفاقية نظراً لأنها ستكون تحت الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن، وهو ما يفوض بالتدخل العسكري في حال عدم التزام النظام السوري بهذه الاتفاقية.
وفي هذا الخصوص توقع الكاتب والإعلامي مدير قناة "العرب" الدكتور جمال خاشقجي أن يعود سيناريو كوسوفو قائلاً في إحدى تغريداته: "قد يعود سيناريو أزمة كوسوفو حين صدر قرار بوقف إطلاق النار، حيث قبلت جبهة تحرير كوسوفو القرار والتزمت به، وكابر النظام الصربي فقصف حتى رضخ".
من جهته كشف مسؤول أمريكي - رفض الكشف عن اسمه - قائلا: إن اجتماع "جنيف 2" هو بداية عملية التفاوض، ولدينا خبرة بأسلوب الأسد وقبله حافظ الأسد، مضيفاً: إنهم دائما استفزازيون ويقولون أي شيء، مشددا على أن أفضل طريقة لمجابهتهم هي الصبر.
وتابع: هناك أطراف كثيرة داخل النظام الحاكم في سوريا قلقة وتريد الحل السلمي، وأضاف المسؤول الأمريكي حول موقف السعودية من "جنيف 2" قائلاً: السعوديون على الدوام ملتزمون بمقررات "جنيف 1"، ودائماً يسعون للحل السلمي، وذلك مشهود لهم في مجموعة أصدقاء سوريا.
من جهة أخرى سعت إيران لإفساد "جنيف 2" بكل الوسائل عبر عدم موافقتها على مقررات "جنيف 1"، وهو ما أدى إلى سحب الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة.
ويعتبر سحب الأمين العام للأمم للمتحدة بان كي مون دعوته لإيران صفعة سياسية كبيرة جداً، نظراً لجهودها في دعم المجازر الوحشية التي يرتكبها النظام السوري ولمحاولتها إفشال مؤتمر "جنيف 1".
وقال ممثل الائتلاف السوري لدى دول الخليج أديب الشيشكلي: فشلت محاولة إفشال مؤتمر جنيف قبل انعقاده عبر دعوة إيران غير القانونية أصلاً، وأضاف في هذا الخصوص عضو الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان قائلاً: سحب الدعوة لإيران هزيمة لبشار الأسد، وأهم نكسة تمنى بها إيران منذ سنوات.
من جهته تحدث الكاتب في صحيفة الشرق الأوسط إياد أبو شقرا في مقال له بأن قبول وزير خارجية إيران جواد ظريف بمقررات "جنيف 1" هو سبب دعوة بان كي مون، مذكِّراً بأن مثل هذا القرار أكبر من جواد ظريف ومن حسن روحاني، في إشارة إلى المرشد في إيران وتراجعه عن قبول مقررات "جنيف 1".
وأضاف الكاتب: لا يمكن لإيران أن تقبل انتقالاً للسلطة، وهي التي تخوض حرباً من أجل بقاء النظام.
وكانت السعودية قد رفضت الدعوة الموجهة لإيران لحضور "جنيف 2"، واصفة إيران بأنها غير مؤهلة لحضور "جنيف 2"، نظراً لامتناعها عن الموافقة على مقررات "جنيف 1"، وطالبت السعودية بخروج جنود إيران من سوريا.
وقد أجرى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل اتصالاً برئيس الوفد السوري المشارك في "جنيف 2" لتأييد موقف الائتلاف السوري وتعليق مشاركته ما لم يسحب الأمين العام للأمم المتحدة دعوته لإيران، وهو ما حدث بالفعل.
من جانبه صرح رئيس وفد النظام السوري وزير الخارجية وليد المعلم بأن بشار الأسد والنظام السوري خط أحمر، لا يمكن التفاوض عليه، وروج إعلام النظام السوري بأن "جنيف 2" هو لمحاربة الإرهاب، لكن مسؤولاً في الخارجية الأمريكية - رفض الكشف عن اسمه - قال إن بيان "جنيف 1" لم يحتو شيئاً عن محاربة الإرهاب ودعوة الأمين العام ل"جنيف 2" واضحة المضمون.
وتأتي هذه التحركات وسط الحديث عن مجزرة مروعة وموثقة بالصور ارتكبها النظام السوري بحق السجناء على مدى ثلاثة أعوام، أودت بحياة 11 ألف قتيل، وسلطت وسائل الإعلام الغربية والأمريكية الضوء على هذه المجزرة، ووصفتها بالهولوكست المصغر، متوقعين أن تكون لها تداعيات كبيرة على النظام السوري.
ومع انطلاق المفاوضات في "جنيف 2"، والتي من المقرر أن تبدأ اليوم، يحبس العالم أنفاسه انتظاراً للنتائج، نظراً لأنه سينهي فصلاً كاملاً من المعاناة المهولة الواقعة على الشعب السوري، وسيخلص سوريا والمنطقة من نظام لطالما ظل شوكة في خاصرة العرب واستقرارهم؛ فالتخلص من نظام أمني بهذا الخبث والحقد يحتاج تضحيات ضخمة لتعيش سوريا وشعوب المنطقة بسلام وأمان.