استقبل الرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل الإطاحة به بأيام قليلة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، التي طالما اتخذت موقفاً داعماً لمصر وحاكمها المخضرم. ولا يعرف ما دار بينهما في اللقاء يوم 8 فبراير 2011، غير تسليم رسالة من رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
لكن مغزى الزيارة كان واضحاً. كانت بادرة تفهم وقلق على صديق قديم وحليف يعول عليه لدول الخليج العربية عموماً في قضايا، لعل من أهمها المواجهة مع إيران.
أما الآن في 2013 وبعد مرور عامين أضحت الصورة مختلفة اختلافاً بيناً.
فقد أفسد انتشار النفوذ الإسلامي في المنطقة- حيث أصبح لمصر الآن رئيس إسلامي منتخب- العلاقات بين البلدين، ولم تقتصر عواقبه عليهما، بل شملت كل بلدان موجة الانتفاضات العربية المناهضة للحكام الطغاة التي بدأت قبل عامين.
ووعدت الإمارات التي تضم بين سكانها 380 ألف مصري وافد، كما أنها من بين أكبر المستثمرين في مصر بتقديم معونة قدرها ثلاثة مليارات دولار للقاهرة في 2011. لكن مصدراً مصرياً مطلعاً على الموضوع أبلغ "رويترز" بأنه لم يتم تحويل المبلغ بعدُ، فيما يرجع أساساً إلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
وليس من الوارد قطع العلاقات بين البلدين، لكن الفتور غير المعهود في تعاملاتهما يعبر عن علاقة متزايدة التعقيد بعد انتقاضات المنطقة بين دول الخليج الغنية وبين الدول الكثيفة السكان وذات الثقل السياسي الإقليمي مثل مصر. وكان الحال عادة بالنسبة إلى دول الخليج أن تقدم الدعم المالي والاستثمارات إلى الدول الأقل موارد، وأن تتلقى في المقابل الدعم الدبلوماسي، وأحياناً الحماية العسكرية. وقالت جين كيننمونت الباحثة في مركز تشاتام هاوس البريطاني للبحوث: إن التوتر بين الإمارات ومصر "له تأثير ضخم على نجاح عمليات التحول العربية. فعندك عدد من البلدان التي تمر بعملية تحول، لكن لها حاجات اقتصادية ضخمة. ومن الطبيعي أن تتطلع هذه البلدان إلى دول الخليج العربية الغنية". وتفيد دراسة للباحثتين بسمة موماني وكريستال أنيس في نشرة كمبردج ريفيو أوف ناشونال أفيرز، بأن الدول العربية استحوذت على 62 في المائة من المعونة الخليجية الإجمالية التي قدمت في الفترة من 1970 إلى 2008. ويقول محللون: إنه ينبغي للإمارات توخي الحذر في معالجة الموضوع. ومن شأن إغضاب الإخوان المسلمين في مصر أن يؤثر على علاقات الإمارات مع دول أخرى، مثل سوريا حيث يقوم الإسلاميون بدور مهم في الثورة على الرئيس بشار الأسد. كما قد تؤدي إثارة حفيظة حكام مصر الجدد إلى تقريب القاهرة من إيران. وترى دول الخليج أن الإخوان المسلمين يتبعون سياسة تتسم باللين مع إيران خلافاً لموقف مبارك.
وقال فريدريك ويري زميل برنامج الشرق الأوسط في مركز كارنيجي إنداومنت لبحوث السلام الدولي: "الإمارات تدرك أن الدور المحوري لمصر في الشؤون العربية هو أنها ثقل مهم يوازن إيران".
وتحتاج دول الخليج العربية إلى أن تنعم مصر بالرخاء لعدة أسباب لعل من أهمها حماية الاستثمارات الخليجية.
لكن التاريخ يشي بأن المساعدات المالية من المنطقة أحياناً ما تعبر عن تحولات في المناخ الدبلوماسي، حتى لو كانت الحكومات تصر على أن المساعدات التي تقدمها ليست سياسية. وعلى سبيل المثال أضيرت علاقة الأردن بالخليج في 1990، عندما رفض الانضمام إلى ائتلاف ضد العراق بعد أن غزا الكويت. وفقد كثير من الفلسطينيين والأردنيين وظائفهم في الخليج، حيث كانوا يتمتعون بمزايا الرفاه الاجتماعي كعاملين وافدين.
وثمة عواقب أيضاً بالنسبة إلى دول الخليج العربية نفسها. فقد رأى معظمها سقوط مبارك على أنه نتيجة لقرار أمريكي بالتخلي عن حليف جدير بالثقة وشريك في الخصومة مع إيران، وليس قبولاً بثورة لا يمكن الوقوف في وجهها.
وكان العامل الحاسم في زيادة قلق حكام دول الخليج العربية بشأن سقوط مبارك هو صعود جماعة الإخوان المسلمين بعد ذلك إلى السلطة، وهي جماعة أشارت إليها برقية دبلوماسية أمريكية ذات مرة على أنها "عدو لدود" للإمارات العربية المتحدة.
والأدلة كثيرة على قلق الإمارات بخصوص نفوذ الإسلاميين. ففي 27 يناير أعلنت الإمارات إحالة 94 من مواطنيها إلى المحاكمة بتهمة العمل على قلب نظام الحكم، متهمة إياهم بأنهم على صلة بالإخوان المسلمين.
ويعتقد أن كثيرين منهم أعضاء في جماعة الإصلاح التي يشتبه في ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في الدولة. وتقول الإصلاح: إنها لا صلة لها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
ويقول بعض المحللين: "إن القبض على هؤلاء مقصود به أن يكون رسالة تفيد بأن الأنشطة الإسلامية غير مقبولة، وليس تعبيراً عن اعتقاد بأنهم يمثلون خطراً أمنياً جدياً".
وقال أستاذ العلوم السياسية في الإمارات عبدالخالق عبدالله: "الإمارات عندها قاعدة وهي عدم التساهل مع أي نوع من التنظيمات السياسية سواء إسلامية أو غير إسلامية. وهؤلاء الأشخاص (الإماراتيون والمصريون) خالفوا القانون. الأمر واضح وبسيط". لكن الإمارات استمرت في الإدلاء بتصريحات علنية صارمة. وفي أكتوبر قال وزير الخارجية الشيخ عبدالله: "إن جماعة الإخوان المسلمين لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا تؤمن بسيادة الدولة". وقال مصدر إماراتي قريب من الحكومة: إن تصريحات الوزير كانت موجهة إلى الإخوان المسلمين وليس إلى مصر، وإن الإمارات تعتبر العلاقة الثنائية مع مصر علاقة إستراتيجية. وفي أول يناير أفادت صحيفة محلية بأن الإمارات ألقت القبض أيضاً على 11 مصرياً؛ للاشتباه في قيامهم بتدريب إسلاميين على طرق الإطاحة بالحكومات. وردت جماعة الإخوان المسلمين بأن هؤلاء الأشخاص اعتقلوا دون وجه حق. وقالت وسائل الإعلام المحلية في دولة الإمارات العربية المتحدة: إن الدولة رفضت بعد ذلك طلباً من القاهرة بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين. وسعت جماعة الإخوان المسلمين من جانبها إلى طمأنة عرب الخليج بأنها لا تعمل من أجل أي تغيير سياسي خارج مصر. وقال الرئيس المصري محمد مرسي: إنه لا وجود لأي خطة "لتصدير الثورة"، ورحبت الإمارات بتصريحاته.
وتؤكد مصر والإمارات علنا أن العلاقة بينهما خاصة. فبرغم كل شيء اجتمع الشيخ عبدالله مع مرسي عضو جماعة الإخوان المسلمين في سبتمبر 2012، وسلمه دعوة لزيارة الإمارات. وما زالت الإمارات تنتظر رداً على الدعوة.
ومع ذلك فستثير نغمة الخلاف تساؤلات بشأن مدى استعداد عرب الخليج للوفاء بوعود الدعم لمصر، التي تشتد حاجتها إلى المال لتفادي أزمة مالية.
وكتب ريتشارد لوبارون وهو سفير سابق للولايات المتحدة في الكويت في دراسة لمركز أتلانتيك كاونسل للبحوث: "إن دول الخليج العربية تعهدت بتقديم مبالغ ضخمة لمصر؛ للمساعدة في إشاعة الاستقرار في البلاد، لكنها تتحرك بدافع من مصلحتها".
وقال "لوبارون": إن معظم دول الخليج العربية التي تشعر بالقلق بشأن الإخوان المسلمين اعتمدت موقف "الانتظار والترقب" من الحكام الجدد في مصر وتونس قبل الالتزام بأي مبالغ كبيرة إضافية، ويبدو أنها لا تجد أي ضرورة للإسراع باتخاذ مثل تلك القرارات.
وكتب "ويري" باحث كارنيجي إنداومنت أن العلاقات بين الإمارات ومصر قد تتعرض لمزيد من الاضطراب، لكن الأمور يمكن تسويتها؛ نظراً لوجود مصالح مشتركة، من بينها الحاجة للتصدي للنفوذ الإيراني، وحاجة الإخوان المسلمين لاستثمارات الخليج.
وأضاف: "الخطوة الأولى المهمة هي أن يتفادى الجانبان التصريحات الحادة والمستفزة، التي تؤجِّج ما يعصف بالعلاقات حالياً من ضغائن".