يعيش "الضائع"، 33 عاماً، على أرض الكويت بلا شخصية أو هوية، بعد أن باءت بالفشل كل محاولاته للبحث عن أسرته وأصله وفصله، حيث لا تربطه بعالمنا "ورقة" واحدة تشير - ولو من بعيد - إلى الشجرة التي سقط منها... بلا اسم أو عنوان، إلى حد انه لقب نفسه ب "الضائع"، كي يتمكن من عرض مأساته الغريبة! ونقلت صحيفة "الرأي" الكويتية عن "الضائع" تفاصيل حكايته قائلاً: "عمري 33 عاماً، هذه هي المعلومة الوحيدة التي أملكها عن نفسي، فأنا لا أعرف مَن هما والداي ولا جنسيتهما، والاهم أين هما، وما علاقتهما بالعائلة التي ربتني، وبعد أن ترعرعت في كنفها، اكتشفت أنها ليست أسرتي وليست لي صلة بها!". وواصل: "وعيت على الدنيا طفلاً مدللاً أعيش في ترف، ووفقاً لما أتذكره عندما كنت في السادسة من عمري، كنت أعتقد أن المرأة التي أحيا في بيتها هي أمي، حيث كنا نعيش في دولة قطر، حتى إني أذكر في إحدى سفرياتنا أن سلطات المطار هناك رفضت السماح لي بصعود الطائرة، قبل أن يصادروا مني كلبي العزيز الذي كنت أحمله معي، وبكيت من أجله بكاءً مريراً!". وتابع: " لا أتذكر - على الرغم من ذلك - الجهة التي كنا نسافر إليها، لكني أذكر أنني في العاشرة من عمري سافرت مع من كنت أظنها والدتي إلى العراق، وتحديداً مدينة كربلاء وهناك قبض علينا الأمنيون العراقيون، وكان ذلك عام 1988، وأودعونا معتقلاً كان يضم عائلات أخرى، وكانوا يستدعون والدتي للتحقيق في أوقات متفاوتة، ولا أعرف ماذا كانت التهمة الموجهة لها، لكن فترة اعتقالنا انتهت، واستأجرنا منزلاً قديماً في حي فقير عشنا فيه ظروف العوز والحرمان، وأذكر أن أمي مرضت مرضاً شديداً انتهى بوفاتها قبل أن أكمل عامي الحادي عشر، وبعدها بعامين التقتني امرأة كانت تعرف والدتي، وبادرتني قائلة: أنت أهلك في الكويت، وليس لك أحد بالعراق". وزاد: "اللقاء الذي جمعني بصديقة والدتي حصل في فترة الغزو، وكان عمري حينئذ 13 عاماً، وأدخلتني المرأة الأراضي الكويتية وسلمتني إلى عائلة كويتية تقطن منطقة بيان، وقد احتضنني أفراد العائلة جميعاً، وعشت بينهم كواحد منهم، حتى بعد وفاة والدهم - رحمه الله -، واعتقد أن كبير هذه العائلة - كما قيل لي - كان ابن عم والدتي، لكني لا ألوم هذه الأسرة الطيبة على حرماني من التعليم، حيث لم ألتحق بأي مدرسة، وظللت في كنفهم حتى بلغت السابعة عشرة، حيث عرفت أنني لست ابن هذه العائلة، كما صدمتني حقيقة افتقادي أي ورقة رسمية تثبت من أنا، ومن أي مكان جئت!". وأردف: "هنا عرفت أنني ضائع بلا ميلاد أو جنسية أو هوية، وكأنني ورقة ذابلة في عين عاصفة، وفي عام 1992 اشتكت عليّ جارة في المخفرة واتهمت العائلة التي ربتني بأنها جلبتني من العراق، فقبض عليّ رجال الامن في مخفر بيان، وبقيت محتجزاً فترة قصيرة قبل أن يشرح عائلي للضابط أبعاد حالتي، حتى وافق على الإفراج عني، وحاول استخراج أي إثبات يحقق هويتي، فعجز تماماً عن التوصل إلى أي شيء". وزاد: "في الثانية والعشرين من عمري استوقفتني نقطة تفتيش، وأحالوني إلى مخفر الصالحية، لعدم حملي أي اثباتات، وكان ذلك في عام 2000، ولقيت من رجال الأمن والمباحث في العاصمة على مدى أسبوعين معاملة راقية وإنسانية، وأحالوني إلى إدارة الأدلة الجنائية لأخذ بصماتي ومطابقتها بما لديهم فلم يجدوا عني أي معلومات، فسعوا إلى مضاهاة بصمتي الوراثية مع إحدى بنات العائلة لإثبات نسبي، واستخراج إثبات رسمي، لكنهم عادوا وسحبوا كتاب الإحالة بذريعة أنني لا أملك إثباتاً رسمياً، على الرغم من أن البصمة الوراثية هي الجسر الذي سيصل بي إلى الإثبات وليس العكس!!". وواصل: "بعدها أفرجوا عني بغير كفالة وأخذوا تعهداً من الابن الاكبر للعائلة التي ربتني بأن يضمن إحضاري إليهم في أي وقت يشاؤون. وفي عام 2003 تزوجت من فتاة لا تحمل جنسية بحكم محكمة وبمساعدة محام، حيث لم يسجل في الحكم إلا اسمي الأول فقط، ورزقني الله طفلين، كنت أعاني في الحصول على لقمة الخبز أو قرص الدواء أو ثوب يرتديانه، ولم أستطع بطبيعة الحال أن أحصل لهما على أي إثبات باستثناء بلاغ الميلاد، وبعد ما ضاقت بي سبل البحث عن فرصة عمل، لخوف أصحاب الأعمال من توظيفي بلا إثبات، لم أستطع إلحاق ابني الأكبر بالمدرسة، وانتهى المطاف بانفصالي عن زوجتي التي فشلت في تحقيق الحد الادنى من احتياجاتها، واصطحبت معها الطفلين اللذين لم أعد أراهما إلا نادراً، حيث لم تقع عيناي عليهما منذ 4 أشهر، وعلى الرغم من إلحاحهما على رؤيتي، وقولهما لي: "يبا مشتاقين لك... تعال نشوفك" إلا أنني أتحسر على عدم امتلاكي وجبة غداء أقدمها لهما، أو مأوى التقيهما فيه، فمعظم الليالي أبيت في عراء الشوارع أو دواوين بعض أصدقائي". وختم مَن وصف نفسه بالضائع حديثه قائلاً: "إذا كان الشطر الأكبر من عمري مضى من دون هوية كأنني نقش على سطح البحر، فمن أجل طفلي أناشد المسؤولين في وزارة الداخلية مساعدتي لإيجاد حل لأزمتي، عن طريق التنسيق مع السلطات القطرية لإعانتي على التعرُّف على بيانات والدتي التي كانت تقيم هناك في طفولتي، وحتى لو ظهر أنها ليست والدتي، فربما تفيدنا الملفات بأي معلومات عن أصلي أو من أين تبنتني، حيث أخبرتني العائلة التي ربتني بأن مَن كنت أظنها امي التقطتني من إحدى دور الرعاية، فمَن يُعيد إليّ هويتي... حتى لا أكمل عمري بلا هوية؟!".