لاحظت أثناء مناقشة طويلة حول غسل الأموال رجلا التزم الصمت طول الوقت وحينما أوشكنا على الانصراف خرج صاحبنا عن صمته وقال: هل الدراهم بحاجة إلى غسل؟ الدراهم دائما (مراهم)، والمهم أن تكون موجودة دائما. استنكر بعضنا سؤاله الساذج، لكن عندما خلوت إلى نفسي وجدت أن سؤاله يلفت النظر إلى حق مهم من حقوق الإنسان وهو: الحق في المعرفة. ورأيت أن من واجب كل من يستعمل المصطلحات المعقدة والمفاهيم المستجدة في وسائل الإعلام أن يبسطها للمواطن العادي الذي تشغله أمور الحياة عن البحث والقراءة، ورأيت أيضا أن أبدأ بنفسي. غسل الأموال أو غسيل الأموال أو تبييض الأموال أسماء لجريمة من أخطر الجرائم الاقتصادية ويجب أن يكون الاسم الصحيح لهذه الجريمة هو: غسل المال الحرام أو غسيل المال الحرام أو تبييض المال الحرام، ويسميها البعض جريمة غسل المال القذر. لماذا؟ لأن المال المقصود في هذه الجريمة هو المال المكتسب من عمليات غير مشروعة مثل السرقة وتسهيل الدعارة والرشوة وتهريب المخدرات وتهريب البشر والمتاجرة بالأطفال، والقمار إلى آخر هذه القائمة الطويلة من الأعمال المحرمة التي تعرض مقترفيها للعقوبة ونذكر منها زراعة وتصنيع النباتات المخدرة والمواد المخدرة وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، واختطاف وسائل النقل (مثل الطائرات)، واحتجاز الأشخاص (لطلب الفدية، الخ)، وجرائم الإرهاب وتمويلها، والنصب وخيانة الأمانة، والتدليس، والغش، والفجور، والاتجار وتهريب الآثار، واختلاس المال العام والعدوان عليه، والغدر، والتزوير، وكلها أعمال محرمة تقوض دعائم المجتمعات وتهدد بالانهيار. لكن كيف يتم غسل هذه الأموال القذرة؟ الجواب هو أن أصحاب هذه الأموال يقومون بإيداعها في البنوك أو تحويلها بين البنوك بطرق ملتوية لكي يتم دمجها مع الأموال المشروعة التي تأتي من مصادرها الحلال، وإخفاء مصادرها الأصلية. إنها من الجرائم الخطيرة التي تهدد اقتصاد البلاد وتنشر الفساد في الأرض. إنها محاولة خبيثة لإدخال أموال من مصادر محرمة وغير مشروعة في النظام المصرفي وخلطها بأموال أخرى حلال واستثمارها في أنشطة مباحة ومشروعة لإخفاء مصادرها الحرام والخروج من المساءلة بعد تضليل الجهات الأمنية وأجهزة الرقابة المصرفية. هل تظل مقولة صاحبنا أن «الدراهم مراهم» صحيحة؟ لا أعتقد. وللحديث بقية.