إذا ما قدر لك أن تموت الآن.. لا أعتقد أن هناك فرقا كبيرا بين أن تموت بطلقة رصاصة، أو بقذيفة مدفع، أو برأس نووي في مقدمة صاروخ، أو بغاز السارين، أو بغازات الأعصاب، أو بغازات البطن حتى!. غريب ومريب ما يحدث في سوريا، والأغرب هو التعامل الدولي مع الملف السوري، أكثر من 100 ألف سوري سلبت الحرب أرواحهم بمختلف أنواع الأسلحة والأيدولوجيات خلال ثلاث سنوات، ولم يحرك ضمير العالم ساكنا، إلا بعد مجزرة الكيماوي، رغم علم العالم بأنها ليست المرة الأولى التي يستخدم الكيماوي فيها في سوريا، وكأن العالم يشرعن للقتلة استخدام أي سلاح لقتل السوريين شريطة أن لا يكون كيماويا!. وفي ذات الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن مبرر نيته لضرب سوريا أن كيماوي نظام بشار يهدد الأمن القومي الأمريكي في حديثه عن مبادئ وأخلاق الأمة الأمريكية، فاته أن قتل النساء والأطفال في سوريا فعل لا أخلاقي يبحث عن تصنيف في أعراف وأخلاق الأمة الأمريكية، ويبحث السوريون الضحايا عن إجابة لدى أوباما. نعم، السلاح الكيماوي محرم استخدامه دوليا، ولكن السؤال: لماذا نفس الدول التي تحرم استخدامه تبيح بيعه؟! لماذا انتفض العالم لمقتل 1300 إنسان، ولم يبال بمقتل ال 100 ألف الآخرين في سوريا، رغم أن لهم نفس الملامح، ونفس الهوية الوطنية، ونفس الدم الذي يجري في عروقهم جميعا، ونفس الأحلام، بل ونفس الآلام أيضا، فلماذا اختلفوا في الموت؟ لماذا انقسم العالم، ليس السياسي فحسب؛ بل حتى عامة الناس بين مؤيد لضربة أمريكية أوروبية للنظام السوري وبين معارض لها؟ الحق مع من؟ الإجابة على هذه الأسئلة شائكة، ومن يتوهم أنه نجح في تجاوز حقل الألغام في طريقة إلى حقيقة ما يحدث في سوريا، فليتحسس كل ما حوله جيدا ليتأكد أنه هو نفسه ليس مجرد وهم. ترددت كثيرا في الكتابة عن سوريا، ولم أشعر بحالة عجز عن تصور مستقبل هذا البلد مثلما أشعر به هذه اللحظة. أعرف أن بشار الأسد لم يعد بإمكانه أن يحكم سوريا مهما حدث، ولا يمكن أن يقبله السوريون بعد كل الدمار الذي حدث وكل الدم الذي روى أرضها. وأعرف أيضا أنه ما زال قويا ومناورا بارعا يفرض أجندته على الأرض وعلى طريقته. وأعرف أن المعارضة مفككة، وأنها حتى لو نجحت في إسقاط بشار وحدثت المعجزة، فإنها ستدخل في نفق أكثر ظلاما مما هو في سوريا الآن، فوجود الجماعات الإسلامية المتطرفة كتنظيم القاعدة وجبهة النصرة ودولة العراق والشام لن تفوت على نفسها أنها وجدت لها ساحة لتروي فيها تعطشها لسفك الدماء وقتل الأبرياء وهتك الأعراض باسم الجهاد وجهاد المناكحة. أخبرني صديق مقرب عاد من حلب البارحة عن طريق منفذ باب الهوى الحدودي مع تركيا، أنهم كانوا يفتشونه في نقاط تفتيش نصبوها على الطرقات، ويجرون له اختبارات دقيقة ليعرفوا هل هو سني أم شيعي أم مسيحي أم غير ذلك، من خلال أسئلة عجيبة غريبة: الفجر كم ركعة؟ العشاء كم ركعة؟ سنة الظهر كم ركعة؟ وإذا تجاوزت هذا الامتحان المبدئي تبدأ اختبارات الذكاء على طريقة القدرات والتحصيلي: صلاة الميت كم ركعة؟ بحيث إذا أجبت أربع ركعات تتم تصفيتك على الفور؛ لأن صلاة الميت لا ركوع فيها، وقس على ذلك. هل تخيلتم ما هو المصير الذي ينتظر سوريا، في ظل المناورات الروسية، والضعف الأمريكي غير المسبوق تاريخيا، والتدخلات الخارجية من إيران وحزب الله والجماعات الجهادية المتطرفة؟ هل تخيلتم أن السوريين أصبحوا يقتلون على الهوية، وعلى الدين، وعلى المذهب على أرضهم، وفي بلادهم، في سوريا الحضارة والعروبة والتاريخ؟ هل تخيلتم كم هو غامض المستقبل الذي يمكن أن يحققه أي سيناريو مستقبلي للصراع الدائر هناك؟ أمريكا تلوح بضربة عسكرية للنظام في دمشق، ولكنها تؤكد أنها لا تهدف للإطاحة بالنظام ولن تستهدف بشار!! إذا أمريكا تعطي تفويضا لبشار لقتل المزيد من السوريين، وكل ما يعنيها هو الكيماوي الذي قد يوجه لإسرائيل، ثم يحدثنا أوباما عن الأخلاقيات والمبادئ!! وروسيا التي وجدت في تردد الرئيس الأمريكي فرصتها التاريخية لرد صفعة الثمانينيات لأمريكا التي أقصتها عن إدارة العالم معها، نجحت إلى حد بعيد في اللعب مع أمريكا على كل الحبال المتاحة في سوريا. إذا، هل أنا مع الضربة؟ الجواب: لا. إذا، هل أنا أعارض الضربة؟ الجواب: لا. «أهاه» إذا، أنا مع الموقف الروسي؟ الجواب: لا. ربما إذا، أنا مع الموقف العربي؟ الجواب أيضا: لا. وأتحدى أن يكون لدى أحد تصور لما ستكون عليه سوريا غدا. تذكرت وأنا أكتب عن الموت في سوريا، الموت في بورما، وسألت نفسي: لماذا يصمت العالم عن القتل الوحشي المروع للمسلمين هناك؟ ولم أجد جوابا غير: أن لا حدود لبورما مع إسرائيل. هل لديكم جواب آخر؟!.