لا أستغرب حين يوافينا الإعلام بقصص مؤلمة عن امرأة تعنف أو فتاة تعضل أو اخت يستولي «وليها» على إرثها إلخ من قصص الواقع المرير، فالأصل للأسف هو تحجيمها واعتبارها درجة متدنية من البشر وتحت تصرف الذكر وسيطرته، ولنا في استبداد البعض في ولاية النساء خير مثال! نعم.. تزول الغرابة حين نقلب الفتاوى القديمة والجديدة -على حد سواء - عن المرأة والتي تغص بها المجلدات وأمهات الكتب ومواقع الإنترنت من صفحات ومدونات موثقة لعلماء ورموز في الإفتاء، فعندما يخرج علينا أحدهم بفتوى نبشها من تاريخ موغل في احتقار المرأة، فكيف نتوقع مخرجات المجتمع، وهو مجتمع متدين في الأساس، كهذه الفتوى مثلاً من أحد كتب الفقه القديمة: «وللزوج منع زوجته من الخروج من منزله ولو لزيارة أبويها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما» أو هذه الفتوى: «ولا يلزم الزوج كفن امرأته ولو كان غنيا، لأن الكسوة وجبت عليه بالزوجية والتمكن من الاستمتاع وقد انقطع ذلك بالموت».. تخيلوا.. حتى الكفن لايلزم به، فبالله عليكم أين النص الذي يوحي بهذا الهراء؟ يقول أحد الفقهاء القدماء: وأصلحهن «الجلب» التي لم تعرف أحدا، والأصلح منعها الاجتماع بالنساء، فإنهن يفسدنها عليه، والجلب هي «المجلوبة» أو الغريبة عن الديار.. أليس هذا تأصيلاً فجاً لاحتقار المرأة؟ أليس هناك من يستمتع بهذه الفتاوى ويمارسها، بل ويتخذها حججا أمام أي معارض لتصرفاته اللإنسانية مع زوجته وأخته؟ حسناً.. لنمعن النظر في هذه الفتوى.. «فإذا ظهر من الزوجة علامات النشوز (العصيان) بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متثاقلة أو متكرهة وعظها فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء وفي الكلام ثلاثة أيام، فإن أصرت ضربها ضربا غير مبرح، ولا يلزم الزوج لزوجته (نفقة) الدواء وأجرة الطبيب إذا مرضت لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة، فيعلق الفقيه.. لأن ذلك العلاج يراد لإصلاح الجسم، كما لا يلزم «المستأجر» بناء ما وقع من الدار! انظر كيف تم اختزال صورة المرأة كسلعة تشترى وتباع وتستأجر! ثم ركز في موضوع الضرب الذي سبق أن تطرقنا له في حق الدولة بتقييد المباحات حسب ما تقتضيه المصلحة العامة. إذا كان الكثير منا عاقلا ويراعي الله في المرأة، فهناك أيضاً الكثير ممن يستخدم هذه الفتاوى بما يتواءم وعقده النفسية واضطراباته! أما من أراد أن يعرف الفتاوى الجديدة والتي تؤصل إقصاء المرأة فليس عليه سوى استرجاع ذاكرته قليلاً لفتاوى عمل المرأة ومصطلح الاختلاط المستحدث، وفتاوى الزواج والطلاق كزواج المسيار الذي هو أكبر امتهان للمرأة في وقتنا الحاضر. السؤال هنا... كيف لمجتمع أن ينهض «بنصفه الآخر» مادام يستقي مثل هذه الفتاوى ويتقبلها ويطبقها ويدافع عنها!