عندما صدرت «ما وراء الكثبان» عن دار لارمتان -وهي الترجمة الفرنسية التي أشرف عليها الدكتور أبو بكر باقادر- ظهر جليا لأصحاب لغة موليير التنوع والثراء الذي يتميز به الأدب السعودي المعاصر، وقد تكلف بجمع المختارات كل من منصور الحازمي، وسلمى الخضراء الجيوسي وعزت الخطاب وفعلا كانت الانطولوجيا بستانا بديعا جمع قصائد وقصصا قصيرة، ومقتطفات من السير الذاتية والروايات. وهي تقدم فكرة رائعة عن القضايا الاجتماعية والجمالية التي تناقشها النصوص. كما تعبر عن الجدل الحيوي بين قيم قديمة وأخرى حديثة. لقد تغيرت المملكة العربية السعودية بشكل كبير في العقود الأخيرة؛ وكان الكتّاب في هذا البلد في الخطوط الأمامية لمواجهة تناقضات كثيرة؛ مما ساعد هؤلاء على اكتساب مناعة ثقافية وأدبية أخرجت إلى دائرة الضوء أعمالا أدبية مميزة لعدد من الأدباء المرموقين الذين خرجوا من صراعهم مع التناقضات الاجتماعية منتصرين للإبداع والجمال. ولعل ما يجعل القارئ الغربي في حالة ذهول أمام تجارب أدبية مثيرة تمتاز بالجرأة الهادفة والوعي الثقافي. تلك الأفكار النمطية عن المجتمع السعودي وآدابه، لكن هذه التصورات الخاطئة تبخرت بالنسبة للمهتمين بالأدب عموما وبالنسبة للمترجمين والناشرين خصوصا إذ مكنت أعمال - على سبيل المثال لا الحصر - عبده خال ورجاء عالم ومحمد حسن علوان وغيرهم، من تقديم صورة أدبية وجمالية مشرقة، تكرست في السنوات الأخيرة من خلال ترجمات إلى اللغة الفرنسية. إذن كان حضور الأدب السعودي في اللغة الفرنسية قد تجسد بشكل استثنائي من خلال عمل رجاء صانع الذي لا يمثل الأدب السعودي البتة، لكن عملها «بنات الرياض» لقي إقبالا لافتا. لكن هذه حالة شاذة لأن الأعمال الأخرى التي قدمت إلى القراء الفرنسيين والفرانكوفونيين على حد سواء هي التي مثلت الأدب السعودي خير مثال. نجد في مقدمتها الترجمات التي قام بها إريك غوتيي المتخصص في الأدب العربي المعاصر. فقد ترجم بعض أعمال عبدالرحمن منيف مثل النهايات التي صدرت مترجمة عام 2013 وفي العام نفسه أصدر ترجمة للأديب الراحل غازي القصيبي. لكن حصول عبده خال ورجاء عالم على جائزة البوكر فتح الباب على مصراعيه لترجمة عدد من الروايات الرفيعة وكانت فرصة أيضا للقارئ الفرنسي أن يقرأ لدى دار أكت سود أدبا مختلفا ولروائيين مميزين كمحمد حسن علوان الذي خلق المفاجأة إثر فوز روايته القندس بجائزة الأدب العربي 2015 التي تشرف عليها مؤسسة جان لوك لاغاردر ومعهد العالم العربي. ويمكن ملاحظة اهتمام المترجمة الرصينة ستيفاني ديجول للمرة الأولى بالأدب السعودي بعدما برزت من خلال ترجمات بديعة لمحمد البساطي وسعيد الكفراوي وإبراهيم أصلان ولديها نحو 20 ترجمة عن آداب من مختلف الأقطار العربية خصوصا من مصر والعراق وفلسطين. والحق يقال إن ترجمتها للقندس كانت ترجمة أدبية مبدعة، ستدفع ناشرين ومترجمين وبشكل مضاعف إلى الإقبال على تقديم الأدب السعودي إلى القارئ الفرنسي الشغوف بالأدب العالمي وربما يحقق الأدب السعودي ما حققته آداب عالمية من شهرة وإشعاع مثل الأدب الياباني وأدب أمريكا اللاتينية الحاضرين بقوة في اللغة الفرنسية وتقاليدها الثقافية والقرائية.