كتبت في الماضي عن أخطاء الأطباء وأن الطب أصبح بزنس لا غير. وهنا أود بهذا أن أبتدر حوارا حول موضوع مسؤولية الطبيب لممارسة مهنته شرعيا، لعلي ألقي بالحجر في بركة، ما كان يجب أن تظل ساكنة في عصر ارتفع فيه الوعي الاجتماعي بالممارسة الطبية والأخطاء التي قد تنجم من المعالجة. وقد كثرت الشكاوى التي ترد إلى الجهات المختصة حول الأخطاء في الممارسة الطبية، مما حدا بنا إلى الطلب من الأطباء الحصول على موافقة المريض الكتابية قبل بدء أية معالجة. إن القطاع الخاص يسهم الآن بقدر كبير جدا في الرعاية الطبية ويتزايد. وقد ارتفعت تكاليف المعالجة والتشخيص في المؤسسات العلاجية للقطاع الخاص بصورة جنونية، دون أن يكون هنالك التزام من أية جهة بتعويض المريض عن أي ضرر قد ينشأ نتيجة إهمال طبي في المعالجة أو التشخيص، مما يجعل الطبيب هو الوحيد الذي يتحمل تكلفة ذلك التعويض. وقريبا قد تصل إلى أرقام فلكية وهي مسؤولية الطبيب تجاه أخطائه المهنية. ولعل أقدم وأشهر القوانين التي حددت المسؤولية الطبية هي قوانين (حمورابي) التي نظمت تسجيل الأطباء وأجورهم والعقوبات التي تنالهم في حال وقوعهم في أخطاء ينتج عنها تضرر مرضاهم حتى أن تلك العقوبات ميزت بين المرضى حسب وضعهم الاجتماعي آنذاك، سادة أو عبيدا، وذلك في ما يتعلق بقيمة ونوعية التعويضات المدفوعة لجبر الضرر. ولما جاء الإسلام أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المسلمين بالبحث عن العلاج لمرضاهم. وكان يوصي أصحابه بالتطبب عند الحارث بن كلدة الثقفي. لقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤولية الطبيب في الحديث الشريف في قوله: من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن. فقد قرر الحديث الشريف مسؤولية الطبيب في مدى علمه بالطب، فإن لم يكن يعلم طبا فهو المسؤول عن أخطائه وعليه الجبر والتعويض، وعلى هذا الحديث اتفق الأئمة الأربعة على شرعية مسؤولية تقصير الطبيب في ممارسة مهنته، غير أنهم اختلفوا في دواعي رفع هذه المسؤولية. فأبو حنيفة الذي برره بضرورة حاجة المجتمع للأطباء ورفع المسؤولية عنهم، إنما يشجع الراغبين على ممارسة الطب دون خوف من المساءلة طالما كان المريض موافقا على تلقي العلاج من ذلك الطبيب. أما الشافعي وابن حنبل فقد رأيا أن موافقة المريض من جانب وإخلاص نية الطبيب من الجانب الآخر في أنه يفعل ما تقتضيه مصلحة المريض، هما العاملان الأساسيان في رفع المسؤولية التقصيرية عن كاهل الطبيب في ممارسته لطبه. وقد رأى الإمام مالك إن أذن الحاكم أو الوالي لشخص ما بممارسة الطب (ترخيص وزارة الصحة) هو أساس رفع مسؤولية التقصير المهنية عن الطبيب. هذا هو ما كان عليه الوضع تجاه مسؤولية الطبيب حيال ممارسة مهنته قبل أربعة عشر قرنا من الزمن. أما اليوم فإنني أدعو الى تنفيذ بجدية فورية نظام للتأمين الإجباري على مهنة الطب، وتنفيذ نظام الضمان الصحي على الجميع الذي عشعش عليه العنكبوت من كثرة دراساته ونقاشاته فكفى. هذه النظم تتولى دفع التعويضات عن جميع الأخطاء الطبية كما هو حاصل في كثير من الدول. فمسؤولية الطبيب هو من رخصه بممارسة المهنة وهنا توضع المسؤولية الأولى والأخيرة على كاهل وزارة الصحة في تنفيذ نظام تأمين مهمة الطبيب وتفعيل نظام الضمان الصحي للجميع. للتواصل «فاكس 0126721108»