بعد 35 عاما تقريبا من اصابته بشلل الاطفال في الطرفين السفليين اثر اعطائه حقنة من البنسلين بطريق الخطأ من قبل احد الاطباء بمركز صحي حكومي بمنطقة الوفرة بدولة الكويت عندما كان في الرابعة من عمره. يعود فايز الظاهري والذي تعرض للاعاقة الدائمة برفع دعوى قضائية ضد وزارة الصحة الكويتية. طالبا التعويض لما لحقه من اضرار جسدية كبيرة بسبب خطأ فادح اقعده 35 عاما.ويحكي الظاهري قصته ل (اليوم) قائلا: كنت في الرابعة من عمري العب والهو مع اقراني من الاطفال ولم اشك من امراض وكنت في زيارة لخالي في الوفرة في الكويت حيث يعمل هناك وقداصبت بنزلة برد فاصطحبني خالي لاحد المراكز الصحية بالوفرة انذاك حيث كانت حرارة جسمي مرتفعة وعلى الفور قام الطبيب باعطائي ابرة بنسلين في الرجل اليسرى (الورك الايسر) وبعد ذهابي لمنزل خالي تغيرت احوالي حسب ما يروي لي احد اقربائي واصبحت غير قادر على الحركة وكان خالي رحمه الله في تلك الفترة مثله مثل الاخرين يجهل الامور المتعلقة بالطب، ولم يراجع المركز على الفور اعتقادا منه بان ذلك شيء بسيط ويمكن معالجته بالطب الشعبي حيث لم يكن يعلم على الفور ان سبب ذلك كان الابرة التي اعطيت لي من قبل الطبيب في المركز الصحي، ذهبت مع خالي الى بادية القصيم ولا تزال اصابتي بالشلل بعيدة عن مخيلة خالي حيث كان يعتقد بان ذلك عارض صحي ويمكن معالجته بالعلاج الشعبي حيث تمت معالجتي بالاعشاب والكي بالنار وجميع الامور العلاجية المتوافرة في تلك الفترة. وبعد ما يقارب 4 اعوام تقريبا كان للصدفة سبب لاكتشاف اصابتي بهذا المرض حيث قمنا بزيارة لمستشفى الشميسي القديم في الرياض حيث يوجد طبيب للاطفال وعندما قام بفحصي اكتشف الحقيقة المرة وقال لخالي ان ابنكم مصاب بشلل الاطفال وارجعنا الى الوراء قليلا حيث اكتشف ان ابرة البنسلين هي السبب المباشر وراء اصابتي بشلل الاطفال، وابدى الطبيب المعالج اسفه لعدم تمكني من تفادي الشلل في حينه كذلك ابدى عتبه على الطبيب الذي اعطى الابرة دون تشخيص وتأكد من حالتي. ويواصل حديثه قائلا: كان الجهل وعدم الالمام بهذه الامور واقعا مؤلما دفعت ضريبته من حياتي طوال 35 عاما واصلت علاجي بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض واجريت بعض العمليات الجراحية لتعديل بعض التشوهات بسبب اصابتي بشلل الاطفال التي لم تمكنني من المشي على قدمي وبذلك اصبحت معاقا ولكن ذلك لم يوقفني عن مواصلة مشواري في الحياة واملي ولله الحمد كبير ولم تكن ابرة البنسلين التي تسبب بها احد الاطباء في الوفرة تعيقني عن مواصلة دراستي والتفوق حيث التحقت بأحد مراكز تأهيل المعاقين بالدمام ودرست في قسم الآلات الدقيقة لمدة عامين وبعد التخرج عملت في شركة كهرباء الشرقية والان اعمل بالخدمات التجارية بشركة كهرباء الجبيل بالاضافة الى عملي في ادخال المعلومات بقسم المعلومات بالحاسب الآلي. ويضيف: ولكن تظل اصابتي بشلل الاطفال بسبب الخطأ الطبي تلاحقني طوال ال 35 سنة التي مضت وان الجهل من الاقارب بدون قصد سبب اخر يؤرقني ولكن وبعد هذه الفترة الزمنية نصحني بعض الزملاء الذين لديهم الخبرة والدراية بأمور المحاماة والاستشارات القانونية بان اتوجه لاحد المحامين لرفع قضية ضد وزارة الصحة بسبب الخطأ الفادح وهو ابسط شيء ضمن حقوقي حيث المصاريف العلاجية التي انفقتها طوال 30 عاما تجاوزت المليون ريال حيث سافرت لعدة بلدان خارج المملكة لتلقي العلاج الى جانب علاجي في بلدي والجانب المهم هو معاناتي الجسدية والنفسية التي دامت طوال تلك الفترة. واناشد الخيرين ممن لديهم الخبرة في هذا المجال مساندتي في قضيتي العادلة وهي التعويض لما اصابني بسبب الخطأ المهني الطبي. المسؤولية المهنية للطبيب (اليوم) من جانبها وجهت السؤال للدكتور المحامي اسامة عبدالعزيز بخرجي الذي اوضح المسؤولية المهنية في مثل حالة فايز الظاهري فقال: ان اغلى شيء يملكه الانسان في هذه الحياة هو صحته وفقدانها يعني فقدان الحياة نفسها ولذا فانه وما ان يصيبها مرض الا وكان على اتم وكامل الاستعداد لان يدفع كل ما يملك في سبيل تحسنها وشفائها. ولذلك كان الطب كعلم للحفاظ على هذه الصحة ولعلاج امراض الجسم وكان الطبيب ليوظف هذا العلم بعد ان يكتسب المعرفة به والخبرة. فما ان يجلس المريض امام الطبيب الا وكأن اداة طيعة في يده، يصغي باهتمام بالغ الى تعليماته وتوجيهاته ليتبعها دون اي تردد او مناقشة تحت ضغط وتأثير المرض. لذا فانه وهذا حال الشخص الذي يقف امامه على الطبيب ان يبذل العناية التامة والفائقة في تعامله مع المريض لتحقيق النتيجة الايجابية ويصبح كالتزام واجب عليه لا لتحقيق النتيجة المرجوة ولكنه التزام ببذل العناية المطلوبة فان كان هناك تقصير او اهمال من جانبه تنشأ المسؤولية عن ذلك. واضاف: المسؤولية المهنية للطبيب هي مسؤولية عن اخطائه المخالفة لاصول مهنة الطب وقواعدها وامرها محسوم في الشريعة الاسلامية، لما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك طب فهو ضامن) والضمان هو الالتزام بتعويض الغير عن كل ضرر يلحق بهم فالطبيب الذي يباشر بنفسه علاج المريض ثم ينتج عن ذلك ضرر لجسمه لا يكون ضامنا لذلك الضرر مالم ينسب اليه خطأ يكون هو السبب في حدوث الضرر، كأن يقوم الطبيب باستعمال اداة من الادوات الطبية شائع ومعروف استعمالها بطريقة خاطئة تسبب في ضرر بعضو من اعضاء الجسم، لان ذلك يشكل اخلالا بالاصول الطبية الثابتة والمتعارف عليها، وقد اخذ بهذا الفقه الاسلامي والنظام السعودي خلافا لقاعدة الضرر العامة التي تنص على (المباشر ضامن وان لم يتعد) وذلك لاسباب عدة هي نظرة الاسلام الى مهنة الطب واعتبار تعلمها فرض كفاية، فالعمل على تشجيع الافراد لتعلم مهنة الطب ومزاولتها يقتضي عدم محاسبتهم الا اذا ارتكبوا خطأ او خرجوا عن القواعد المتعارف عليها في مهنة الطب، ايضا من الاسباب اذن ولي الامر في حصول الطبيب على شهادة ورخصة لمزاولة مهنة الطب واذن المريض في غير الحالات الضرورية او الاسعافية للطبيب بالتدخل الطبي في جسم المريض من اجل علاجه كما ان قصد الطبيب هو العلاج والبحث عن الشفاء للمريض وليس قصده الاضرار به. ويرى د.بخرجي ان المسؤولية ذات شقين، شق جنائي يتعلق بالمسائل التي تمس المجتمع وشق مدني اساسه تعدي الطبيب على حقوق المريض في ان يوفر له العناية الطبية، فالاول جزاؤه العقاب، والثاني جزاؤه التزام الطبيب بضمان تعويض المريض عما لحق به من اضرار. فمريض اليوم لا ينظر للطبيب بانه شخص عادي بل ينظر له على اساس انه انسان متخصص وصاحب خبرة ودراية بعلم الطب. وتنبني هذه المسؤولية على ان هنالك التزاما من جانب الطبيب ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة الا ان مسؤوليته قد يبحث عنها، اذا اهمل او قصر في اتخاذ الاجراءات والاحتياطات اللازمة التي تتطلبها حالة المريض، ومن هنا فان الطبيب يجب ان يكون ماهرا وحاذقا في الوقت نفسه فهذه الالتزامات لا تقتصر على بذل العناية فقط بل تتعدى الى ان تكون التزاما من الطبيب بتحقيق نتيجة وذلك في حالات معينة مثل التزامه باستخدام ادوات طبية معقمة وصالحة للاستخدام الطبي بحيث لا تلحق هذه الالات ضررا بالمريض، وحالة تزويد المرضى بدم خال من الامراض وحالة اخذ موافقة المريض ورضاه في غير الحالات الطارئة، والحوادث، وحالات اخرى ففي هذه الحالات تكون مسؤولية الطبيب مباشرة بضمان الاضرار المترتبة على افعاله. مساءلة الاطباء عن اخطائهم المهنية تتطلب ايجاد نوع من التوازن بين معيارين، المعيار الاول ضمان حماية المرضى ضد الاخطاء الطبية التي قد يرتكبها الاطباء ومساعدوهم، والتي قد تكون لها عواقب خطيرة على صحة المرضى او حياتهم، والمعيار الثاني ضمان حرية ممارسة الاطباء لمهنتهم في جو من الثقة بالنفس والامن الكافي، وعدم الشعور بالملاحقة القضائية. ويضيف المحامي: اساس المسؤولية المدنية للطبيب هو خطأه او تعديه على صحة المريض، فكل خطأ طبي سبب ضررا للمريض يعتبر تعديا على حق ذلك المريض، يستوجب ذلك الضرر الزام الطبيب اختيارا او اجبارا بتعويض المريض عما اصابه ولحقه من ضرر نتيجة عدم تقديمه للمريض العناية الكاملة المتفقة مع الاصول الثابتة المتعارف عليها في مهنة الطب ولتصرفه وسلوكه اثناء قيامه بالعمل الطبي او الجراحي فكل هذا يكون ضمن حدود مسؤولية الطبيب، على انه وبصفة عامة يجب توافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر لانعقاد هذه المسؤولية وقد عرف الخطأ الطبي بانه هو الانحراف الايجابي او السلبي في سلوك الطبيب الذي يؤدي الى مساءلته عن الاضرار التي يلحقها بالمريض، وهذا الخطأ يمكن ان يكون خطأ عاديا يتحقق عندما يخل الطبيب بالالتزام المفروض على الناس كافة من وجوب اتخاذ العناية والحيطة اللازمة عند القيام بعمل معين، او اتيان فعل محدد لتجنب ما قد يترتب على هذا التصرف من نتائج غير مشروعة، وبمعنى اوضح هو الخطأ الذي يمكن ان يدركه اي شخص عادي. ويتابع كلامه قائلا: كما يمكن ان يكون الخطأ خطأ مهنيا وهو الذي يتحقق عندما يشكل تصرف الطبيب انحرافا وخروجا عن الاصول والقواعد المتعارف عليها في مهنة الطب وقد اوردت المادة (28) من نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الاسنان السعودي بعض صور الخطأ الطبي المهني التي توجب مساءلة الطبيب، منها الخطأ في العلاج، الجهل بأمور فنية واجراء التجارب واعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار واستعمال آلات واجهزة طبية دون ان يكون على علم كاف بطريقة استعمالها او دون ان يتخذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من هذا الاستعمال. وتعتبر مسؤولية الطبيب المدنية مسؤولية تقصيرية لمخالفته ما تفرضه القواعد العامة بعدم الاضرار بالاخرين ولاستنادها على الخطأ في تحديد المسؤولية وتنعقد مسؤولية الادارة التي تشغله عن الخطأ التي يرتكبه بحكم انها الادارة التي وفرت له المكان والاداة والعمل تحت اشرافها ومسؤوليتها. خلاصة.. فان مساءلة الطبيب عن اخطائه لا تعني ان يأخذ القاضي بالظن والاحتمال، او ان يتدخل في تقدير النظريات الطبية، او الطرق العلمية المتبعة في الوسط الطبي، بل لابد من ثبوت ارتكاب الطبيب لخطأ واضح وثابت للقول بمسؤوليته.