اعتاد الناس وصف الجبان (بالخواف) ووصف الشجاع بأنه (ما يخاف)، لكني أراهم ظلموا الشجاع بهذا الصفة، فأن يكون الشجاع (ما يخاف) هذا يعني أن لا فضل له فيما يقوم به من أمور يحجم عنها غيره، فهو يقوم بها لعدم وجود خوف في صدره، ولو وجد الخوف لربما أحجم عنها كما يفعل غيره. إن صح هذا القول، هل يستحق الشجاع الإعجاب؟ ما ميزته إذن عن غيره إن كان لا يفعل إلا ما لا يخيفه وما لا يخشى عواقبه؟! أظن الشجاع ظلم بهذه الصفة، فوصفه بعدم الخوف جرده من أهم صفات الشجاعة (مواجهة الخوف وقهره). فالشجاعة هي أن تدرك الخطر الذي يكمن لك فيما أنت مقدم عليه من أمر، لكنك تأبى أن تستسلم للخوف منه فتتركه يمنعك من فعل، ترى واجبا عليك إنجازه، فتبادر إلى قمع خوفك وتتسامى فوقه لتنجز ما تراه واجبك. الشجاع والجبان كلاهما يخافان الخطر ويكرهان التعرض للأذى، إلا أن الفرق بينهما يتجسد في ردة فعل كل منهما تجاه الخوف، الجبان يترك الخوف يشل عقله ولسانه، فيصمت ليسلم، وربما أقنع نفسه بأن السلامة في لجم اللسان وطمس العقل، أما الشجاع فإنه يرفض ذلك مفضلا محاربة الخوف والتغلب عليه. الجبان والشجاع قد يرى كلاهما ثعبانا شرسا، فيبعث منظره الخوف والفزع في قلبيهما، لكن ردة فعلهما تجاه الخوف هي التي تختلف، الجبان يرى نجاته في الهرب بعيدا، أما الشجاع فيرى نجاته رهينة بثباته وقتله الثعبان. الخوف شعور فطري في داخل كل أحد، إلا أن هناك من يكبت خوفه وينشغل في البحث عن حلول ومخارج للنجاة مما يخيفه، وهناك من يخضع للخوف فيبقى حيث هو مستكينا. [email protected]