في عز غياب التواصل الدبلوماسي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية، لبى الصينيون الرغبة المتزايدة لدى نظرائهم السعوديين عام 1986-1988 في حصولهم على سلاح قوي يعطي المملكة قدرة الردع والرد على أي عدوان قد تتعرض له.. وهكذا كان ومنذ ذلك اليوم كانت الصين كما أطلق الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عام 1998 «أفضل صديق للسعودية»!! ما يميز الصينيين عن غيرهم هو استعدادهم دائما للشراكة وبما يكفل مصالح الشركاء دون فرض أجندة أو تدخل في الشؤون الداخلية للدول !! والسعوديون أدركوا ذلك وسعوا إلى توثيق علاقاتهم الاقتصادية مع الصين كأكبر زبون للنفط السعودي، ولذلك توالت الزيارات وتوجت في السنتين الأخيرتين بزيارة الملك سلمان حفظه الله عندما كان ولياً للعهد 2014، وزيارة للرئيس الصيني في بدايات هذا العام.. الصينيون يريدون إحياء طريق الحرير وتسويق منتجاتهم عبره، وربط العالم وطرق التجارة فيه بالسوق والمنتجات الصينية المتعددة، ولديهم الميزة التنافسية الفريدة على مستوى العالم التي تؤهلهم لقيادة الاقتصاد العالم في المستقبل القريب.. والسعوديون على الرغم من أهمية تأمين الأفضلية في سوق ذات طلب عال على منتجهم الوحيد النفط إلى جانب المنتجات البتروكيميائية إلا أن لديهم رؤية لمملكتهم 2030 يريدون تحويلها إلى واقع عبر برامج تنفيذية ستتحفز وتنسجم بلا شك مع شراكة أقوى من الصينيين.. في رأيي أن الصين هي الدولة الأنسب للسعودية لمساعدتها في تحقيق بعض أهداف رؤيتها.. فالصينيون ليس لديهم مانع حول نقل التقنية والصناعات التكنولوجية للسعودية، وهي بالنسبة لهم بوابة العبور لغرب آسيا وأفريقيا، والصينيون بالمقارنة مع غيرهم في الغرب وفي آسيا أكثر مرونة في تحقيق هذا الهدف وهم منفتحون للغاية للتعاون وتقديم ما قد لا يقدمه لنا الآخرون في مجالات تكنولوجية متعددة في صناعة الجوالات والحاسبات والسيارات والأسلحة والصناعات العسكرية، إضافة إلى أن رخص العمالة الصينية تجعل من الصين الشريك الأنسب لتنفيذ بعض المشروعات الكبرى في ملفات الإسكان والنقل والخدمات الحكومية الأخرى.. الصينيون لديهم الاستعداد لفعل كل ذلك الآن لأسباب متعلقة بمصالحهم أولاً، وقد لا يكون لديهم نفس الاستعداد في المستقبل القريب !! والفرصة ما زالت مواتية للسعودية على بناء علاقة تتجاوز استهلاك النفط ومنتجاته عند الصينيين في مقابل شراء كثير من المنتجات الصينية التي تتزايد جودتها باطراد بصورة مدهشة إلى علاقة إنتاج وشراكة تخفف من فاتورة الاستيراد على الميزان التجاري وتفتح مئآت الآلاف من الفرص الوظيفية ذات المحتوى العالي.. ولذلك فإن تحويل هذه الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المعلنة في زيارة سمو ولي ولي العهد إلى برامج تنفيذية وتحالف إستراتيجي مع الصين ربما يكون العامل الأكثر نجاحاً في شبكة العلاقات السعودية المتوازنة مع الدول الكبرى خلال الثلاثين عاماً الماضية !! [email protected]