عبدالله إبراهيم القويز الحياة سعودي استمراراً لدعم عرى الصداقة بين السعودية والصين قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (عندما كان وليا للعهد) بزيارة للصين الشعبية في آذار (مارس) 2014. كما سيقوم فخامة الرئيس الصيني قريباً بزيارة رسمية للمملكة، وسيكون القائد ال25 الذي يزور المملكة منذ تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم. بعد 25 سنة من العلاقات المتطورة والتي تزداد رسوخاً أرى أنه حان الوقت لمراجعة الجانب الاقتصادي لهذه العلاقات؛ لاستمرار تطورها على قواعد صلبة من التفاهم ووضوح الرؤية؛ لنقلها إلى مراحل أكثر تقدماً وقابلية للاستمرار بما يخدم المصالح الحيوية للدولتين الصديقتين. 1- لعل الجانب الأبرز لهذه العلاقات الاقتصادية بين الدولتين هو تطور التبادل التجاري الذي وصل مجموعه في نهاية عام 2014 قرابة 74 بليون دولار (صادرات وواردات) بحيث أصبحت الصين هي الشريك التجاري الأول للمملكة. كما أصبحت المملكة هي الشريك التجاري الأول للصين في غرب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الجانب لا بد من إبراز عدد من التحديات: أ– في الوقت الذي نمت فيه التجارة بين الدولتين بين عامي 2012-2013 و 2013-2014 بما نسبته في المتوسط 7 في المئة نمت التجارة الصينية مع دولة الإمارات في حدود 55 في المئة للفترة نفسها، وهو ما يدل على أن كثيراً من السلع الصينية ترد إلى المملكة عن طريق دولة الإمارات باعتبار المملكة من أكبر الشركاء التجاريين لها. ب- على رغم أن معدل النمو الاقتصادي للصين في الفترة الأخيرة قد انخفض إلا أنها استمرت بشراء كميات أكبر من النفط الخام لملء خزاناتها الاحتياطية، مستفيدة في ذلك من الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام. إلا أن ذلك لم ينعكس على طلبها من النفط السعودي، ربما لأحد سببين أو كليهما: الأول: أن هناك خصومات من بعض المنتجين الرئيسين في منطقة الخليج لعدد من الدول الآسيوية قد تكون الصين استفادت من هذه الخصومات، وهذا التصرف تجاري لا غبار عليه يجب أن يعيه المتخصصون في المملكة. الثاني: ممارسة الحكومة الصينية لسياستها المعلنة والهادفة إلى تنويع مصادر إمداداتها النفطية. ولا شك أن حصولها على بعض الخصومات من المنتجين الرئيسين يشجعها على الإسراع في تنفيذ هذه السياسة. ج – في فترة سابقة فرضت الحكومة الصينية رسوم إغراق على منتجات دول مجلس التعاون من أنواع محددة من البتروكيماويات، كان آخرها منتج «البيوبانيول»، إلا أنه تم حلها بعد مشاورات مضنية. وقد فرضت هذه الرسوم في الوقت الذي كانت المصانع الصينية تعاني من فائض في طاقتها الإنتاجية، وهو ما دفعها إلى بيع منتجاتها في السوق الدولية، ومنها أسواق مجلس التعاون بأسعار زهيدة قد تكون إغراقية، ومنها منتجات الحديد. د- يشتكى مستهلكون وتجار سعوديون من رداءة بعض المنتجات الصينية التي تباع في أسواق المملكة، ولا شك أن المسؤولية في ذلك مشتركة؛ فالحكومة الصينية عليها أن تتأكد من أن البضائع المصدرة للخارج، ومنها المملكة تتمتع بالجودة التي تحفظ للصين سمعتها. والجهات السعودية المختصة عليها عدم السماح بدخول البضائع الرديئة أو المقلدة إلى المملكة مهما كان مصدرها. 2- أولى الجانبين السعودي والصيني أهمية قصوى للاستثمارات المشتركة في الدولتين. فاستناداً إلى المصادر الصينية فإن مجموع الشركات الصينية العاملة في المملكة قد وصل إلى قرابة 150 شركة استثمرت مبالغ في حدود 700 مليون دولار جلبت لها ما وصل 5.6 بليون دولار من الأعمال التي استفادت منها السوق الصينية. ومن الجانب الآخر ذكر رئيس شركة أرامكو السعودية في محاضرة له في منتدى الصين الشهر الماضي أن مجموع الاستثمارات السعودية في الصين يزيد على 10 بليون دولار. إن طموح المملكة نحو تنويع قاعدتها الاقتصادية والتسهيلات التي تقدمها الدولة لتحقيق هذا الهدف ووصول الصين إلى درجات متقدمة في مجالي الصناعية والتكنولوجيا ورغبة الدولتين في اكتشاف المجالات التي تدعم رسوخ الشراكة في ما بينهما، تجعل المطالبة بزيادة الاستثمارات الصينية في المملكة أمراً ملحاً. وفي هذا الصدد يمكن اقتراح عدد من المبادرات: أ- طرحت الحكومة الصينية الحالية ما سمَّته «مبادرة طريق الحرير الجديد» وتهدف هذه المبادرة إلى الإعلان عن تسنم الصين لدور قيادي يهدف إلى ربط أكبر عدد من الدول باقتصادها في الأجل الطويل والدخول إلى أسواق جديدة؛ لتصريف منتجاتها في الأجلين القريب والمتوسط. ويذهب التفكير حالياً إلى إيجاد مناطق انطلاق (توزيع) لمنتجاتها، ومن بين الدول المرشحة لذلك كل من تركيا ومصر. إن المملكة بحكم موقعها الجغرافي وحجم اقتصادها وتطور بناها التحتية من نقل ومواصلات وقطاع بنكي متطور وعلاقاتها الاقتصادية مع بقية دول مجلس والدول العربية والإسلامية يجعلها مؤهلة أكثر من غيرها لتكون نقطة الانطلاق للقارتين الأفريقية والأوروبية. ب- إن توافر الوقود الرخيص في المملكة وحاجتها إلى مزيد من الاستثمارات في الطاقة الشمسية والمنتجات المنبثقة عن البتروكيمات وغيرها وقربها من مناطق الاستهلاك ووجود الكثير من المعادن يجعلها المكان المناسب لأية استثمارات صينية خارج الصين. ج- بدأ العديد من الشركات السعودية بالامتداد خارج حدود المملكة، ولاسيما في مجالات الطاقة والغذاء والخدمات الصحية. وهذا يتيح نوعاً جديداً من الشراكة المحتملة بين الصين والمملكة، بحيث تكثف الشركات السعودية امتدادها الخارجي معتمدة على الصناعة والخبرة الفنية الصينية، وهذا ما يسمى «الشراكة الثلاثية الأبعاد». 3- ما يلمسه الزائر للصين أن هناك تصنيفاً للعلاقة الاقتصادية الصينية مع أصدقائها. الصنف الأول هو ما يسمى «الحليف الإستراتيجي»، من دون الدخول في تحديد أسماء الدول الداخلة في هذا التصنيف أو المرشحة للدخول فيه فإن إيران مرشحة لذلك، إذ يشهد الزائر جموعاً من رجال الأعمال الإيرانيين في المطارات والفنادق الصينية. علينا أن نشجع هذا التوجه الصيني؛ لأن الصين دولة معتدلة في كل علاقاتها ولاسيما الاقتصادية. وقد يسهم ذلك إلى تحويل إيران تدريجياً إلى دولة معتدلة. أما الصنف الثاني فهو الدول التي تهدف الصين إلى إيجاد شراكة معها للاستفادة من استثماراتها وأسواقها وموادها الأولية. تنظر الصين إلى المملكة وبقية دول مجلس التعاون من هذا المنظار. على المملكة أن تكون واعية لهذا التصنيف والتصرف تبعاً لذلك. 4- أخيراً.. هناك مشروع الاتفاق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون والصين؛ لإنشاء منطقة للتجارة الحرة بينهما، وقد مر على التفاوض بشأنها أكثر من 11 سنة. ولم يتبقَّ على إكمال الصيغة النهائية لهذا الاتفاق إلا بعض القضايا المحدودة. في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن الصين في الفترة الأخيرة تدفع في اتجاه توقيع العديد من اتفاقات التجارة الحرة مع عدد من دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية حتى بلغ عدد هذه الاتفاقات التي تم إقرارها في هذا الإطار ما يزيد على 20 اتفاقاً. تهدف الصين من ورائها إلى ضمان أسواق لمنتجاتها وحصولها على المواد الخام لصناعتها من جهة، وألا يتم استثنائها من النظام التجاري الدولي بعد أن فشلت جولة الدوحة وانحسر النظام التجاري الجماعي، واتجهت الدول والمجموعات الاقتصادية الرئيسة إلى توقيع اتفاقات لإنشاء مناطق للتجارة الحرة في ما بينما تاركين النظام التجاري الدولي جانباً. كما تهدف الصين من جهة ثالثة إلى تعزيز مكانتها الدولية كقوة اقتصادية يحسب لها حسابها بما يدعم مكانتها السياسية والأمنية دولياً. الكل يعرف أن أسواق مجلس التعاون هي من أكثر الأسواق انفتاحاً في العالم. كما أن التصرفات الجمركية الموحدة لدول المجلس هي من أقل التصرفات الجمركية، ومن ثم فإن توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين دول المجلس والصين قد لا يؤثر كثيراً في حجم التجارة الحالية بين المجموعتين، ولاسيما إذا أصرت الصين على استثناء المنتجات البتروكيماوية الخمسة من أحكام هذا الاتفاق. خلاصة القول أن دول مجلس التعاون ولاسيما المملكة مدعوة إلى استغلال فرصة المفاوضات الحالية بشأن الاتفاق على إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع الصين لحل القضايا التجارية العالقة التي تمت الإشارة إليها والاتفاق على زيادة الاستثمارات الصينية في المنطقة، والدفع نحو أن تكون هذه الاتفاقات مقدمة لعلاقات أعمق في شتى المجالات ومنها المجال الاقتصادي. * اقتصادي سعودي.