سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصين.. بين سياسات الانفتاح والمحافظة على الهوية التقليدية
54 مدينة صناعية عالية التقنية و42 مليار دولار لخدمة الدراسات والأبحاث أنتجت 34 ألف براءة اختراع
نشر في الرياض يوم 14 - 05 - 2012

لم تكن رحلتنا إلى الصين للمشاركة فقط في اجتماعات الدورة الثالثة لندوة التعاون الصيني العربي في مجال الإعلام، بل كانت أكثر من ذلك، حيث اتيحت الفرصة للمدعوين للتعرف عن قرب إلى الثقافة الصينية، والمعجزات التي تحققت وبخاصة الاقتصادية منها، في فترة قياسية وضعتها في مصاف الدول الكبرى.
في البداية لمسنا حرص الصينيين على تحقيق التعاون والتكامل اعلامياً مع العالم العربي، إذ كانوا يؤكدون في لقاءاتهم واجتماعاتهم واوراق العمل التي قدموها في الندوة، أن الهموم مشتركة بين العرب والصين، وأن الغرب بإعلامه المتقدم يسيطر على كثير من المعلومات التي قد لا تكون دقيقة عن الشعبين الصيني والعربي. وكنا نرى في حواراتنا ونقاشاتنا الجانبية أنهم يرحبون بأي اقتراحات أو أفكار لتوثيق التعاون الإعلامي، وتحقيق الانفتاح الاقتصادي والتكنولوجي بشكل أكثر عمقاً، لتتفاهم الشعوب بعضها مع بعض بشكل أفضل، خصوصاً أن العلاقات العربية الصينية تمتد لآلاف السنين، إذ تعود البدايات إلى (طريق الحرير) الذي تعرف من خلالها التجار العرب إلى المجتمع الصيني، وبدأوا في التعامل معه تجارياً منذ ذلك الوقت، بوسائل بدائية تتفق مع الإمكانات المحدودة في ذلك التاريخ البعيد.
ولو نظرنا إلى تاريخ الصين نجد أنه يتميز من غيره من المجتمعات الأخرى بمتانة الثقافة ورسوخها في التعاملات مع الآخرين، فمثلا هم يؤكدون أهمية الثقافة المحافظة البعيدة عن الثقافة المفتوحة في العالم الغربي، ما يقربهم أكثر إلى العالم العربي، فلا تزال تترسخ في الثقافة الصينية قيم الاهتمام بالأسرة، وموطن الولادة، لكونهما الأساس لاستمرار الروابط بين الأفراد، وتحقيق الولاء للوطن. ولم تؤثر كثيرا سياسات الانفتاح الاقتصادي والتجاري التي بدأتها الصين في السنوات الاخيرة في هذا المفهوم الاجتماعي المتين، لكونه يشكل عصب ترابط المجتمع الصيني، بل إنهم أخذوا يشددون عليه بشكل أكبر في مناهجهم الدراسية وندواتهم المتعددة، وحتى في مؤتمراتهم الداخلية والدولية لبيان تميز المجتمع الصيني واختلافه عن الحياة المادية الغربية.
ربما يكون الصيني الجديد قد تغير كثيراً مع سياسات الانفتاح الاقتصادي في طعامه، وشرابه، وبنيته، وسلوكياته، وطريقة حياته، ولكن هذا التغير لم يؤثر في ثقافة وحكمة وتقاليد مستقرة في أعماقه،، يؤمن بأنها هي الأساس للمحافظة على وحدته الوطنية وقوته الاقتصادية. فالإنسان الصيني يمتلك المقومات التي تجعله قادراً على أن يتعولم ولكن من دون أن يفقد معالمه وشخصيته وهويته الصينية.
***
البدايات بحرب الأفيون
ولعل البداية الحقيقية للانفتاح على الغرب والتعامل معه تتمثل في حرب الأفيون المؤلمة، التي بدأت عام 1840 مع الامبراطورية البريطانية، حينما كانت بريطانيا ترسل الأفيون إلى الصين عبر شركة الهند الشرقية، وقامت الحرب للقضاء على هذا الهجوم الغربي الغريب. هذه الحرب ونتائجها وحتى ثورة 1911 جعلت الصين تتعامل مع الغرب بانفتاح وحذر وتأكيد على بقاء المفاهيم الصينية كما هي، من دون تغيير. فمع أن الثقافة الصينية استطاعت الاستفادة من الثقافة الغربية من خلال إدخال الأجهزة التقنية والأنظمة الإدارية المتقدمة، وإيفاد الطلاب والمسؤولين للزيارة والدراسة للدول الخارجية للاستفادة من التقدم التقني المتمثل في بناء الأساطيل الحربية الحديثة، وغيرها من التقنيات المتوفرة في ذلك الوقت، وكذلك للاستفادة من النظريات الفكرية والاقتصادية الجديدة في الغرب، إلا انها حافظت وبشكل كبير على ضبط النظام الاجتماعي الثقافي التقليدي العريق؛ لكونه الأساس لتحقيق النهضة الصينية.
هذا الانفتاح المنضبط حقق للثقافة الصينية حيوية وشمولاً؛ لتطور ما سعت إلى تبنيه من الثقافات المختلفة وتطويعها وفقاً للقيم الصينية، وليحلق بها عالياً في مجال التقدم الصناعي لتتبوأ مكانة رائدة في مصاف الدول الصناعية، ولتصبح من أكثر الدول نمواً في العالم، وأكثرها نمواً في الدخل السنوي أيضاً.
ومن خلال الزيارات التي أتيحت لنا لاحظت أن الصينيين مخلصون جداً في أداء عملهم، بل كانوا يتميزون في بداية دخولهم مرحلة التصنيع بالتقليد المتقن من خلال العمل اليدوي، بل ويتفوقون بإضافة مزايا أخرى هي التي نراها اليوم في الصناعات الصينية التقليدية مثل: التطريز اليدوي، والمنحوتات، والأدوات المنزلية، وانتقلت بعدها لتصل إلى الصناعات الثقيلة والتقنية الدقيقة.
الانفتاح الغربي لم يفقد الصينيين هويتهم التقليدية
***
كانتون.. بوابة الصين إلى العالم
لا يمكن الحديث عن تطور العلاقات التجارية بين الصين ودول العالم من دون الحديث عن معرض الصين للاستيراد والتصدير، فهذا المعرض الذي أنشئ عام 1957، كان يعرف سابقاً باسم (معرض كانتون)، ويقام مرتين سنوياً في الربيع والخريف في مدينة قوانغتشو، هو أكبر معرض في الصين من حيث مساحة العرض الإجمالية، التي تجاوز مليوناً ومئة وستين ألف متر مربع، وعدد أجنحته يجاوز ال 58700 جناح، ويتجمع فيه أكثر من 200 ألف مشارك من أكثر من 210 دولة ومنطقة، وهناك أكثر من 150 شركة من ضمن 250 شركة هي الأقوى في تجارة التجزئة في العالم، ترسل مندوبيها، أو ممثليها لحضور المعرض لشراء البضائع. ويجمع المعرض بين ميزة المعرض التقليدي الشامل والمعرض الاختصاصي المعاصر، حيث يمتاز بشمول أنواع المنتجات التي تزيد على 150 ألف منتج من جميع أنحاء الصين، منها منتجات تقليدية ممتازة من الصناعة الخفيفة، والنسيج، والغزل، والملابس، ومنتجات ميكانيكية وكهربائية ذات التكنولوجيا والقيمة المضافة العالية. كانت زيارتنا المعرض فرصة للتعرف إلى بوابة الصين التجارية التي تعد النافذة الأكبر والأكثر إقبالا للتعريف بالمنتجات الصينية، حيث يجتذب سنوياً مئات الآلاف من رجال الأعمال، من مختلف دول العالم، وتعقد فيه صفقات تصدير تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وتعد هي الأعلى في المعارض الصينية، لذا فهو يمثل عداد حالة الجو ومشير جهة الريح في التجارة الخارجية الصينية.
لقد فوجئنا فعلاً بضخامة معرض (كانتون)، وتنوع الأجنحة فيه، إضافة إلى إنك تجد جميع الجنسيات في العالم، بعضهم بملابسه التقليدية، وتراهم وهم يعقدون الصفقات للمنتجات الصينية المختلفة التي تتفق مع اهتماماتهم.
هذا المعرض الذي يمثل بوابة الصين إلى العالم منذ أكثر من خمسين عاماً أقيم بنجاح لأكثر من 100 دورة متتالية، حتى أصبح مهرجاناً تجارياً عالمياً شاملاً في الصين، ويتميز المعرض بتاريخه الطويل ونطاقه الواسع وشموله جميع أنواع السلع، وكثرة عدد المشاركين، وضخامة حجم التبادل التجاري، لذلك عرف بالمعرض الأول في الصين بفضل سمعته وشهرته.
***
التقدم العلمي والتكنولوجي في الصين
حينما نراجع الكيفية التي حققت بها الصين نهضتها الصناعية خلال فترة قصيرة جداً نستقرئ كيف كان اهتمامها بالعلوم والتكنولوجيا؟. وأول ما يبرز إلى الأذهان هو أن الصين، حتى عام 1949 - الذي يمثل تأسيس جمهورية الصين الشعبية - كان لا يوجد بها سوى 20% فقط من الطلاب الذين دخلوا المدارس الابتدائية، ولا يوجد سوى 30 جهازاً فقط للدراسة والأبحاث، فكانت من ضمن أهم الأوليات التي قامت بها حكومة الصين الإسراع في نشر التعليم، وتسريع التنمية التكنولوجية، من خلال تطبيق إستراتيجية طويلة الأمد؛ للنهوض بالمجتمع الصيني، اعتماداً على العلوم والتكنولوجيا.
وكانت بداية الاهتمام بالأبحاث التكنولوجية من خلال إنشاء الأكاديمية الصينية للعلوم في نوفمبر عام 1949 التي أصبحت الآن مركزاً تنموياً للأبحاث العامة في العلوم الطبيعية والتكنولوجيا العالية الجديدة، حيث تحتضن الأكاديمية عدداً من العلماء الصينيين الذين حققوا نتائج مهمة في التطور التكنولوجي، أسفرت وخلال ستين عاماً عن قنبلتين نوويتين، وقمر صناعي، وتم إرسال أول رائد فضاء صيني للقمر. وفوق هذا نجد أن الأكاديمية الصينية للعلوم يدرس بها أكثر من 45 ألف طالب وطالبة للدراسات العليا؛ لإعدادهم ليكونوا علماء بارزين في الإبداع التكنولوجي في مختلف التخصصات، كما يعمل بها 27 ألف فني متخصص، كما أن الأكاديمية الصينية للزراعة ينضوي تحت لوائها 29 مركزاً للأبحاث ومعهداً للدراسات العليا وتخصصات أخرى.
وليس هذا فقط، بل نجد أن الأكاديمية الصينية للطب التي أنشئت عام 1956 استطاعت أن تنشئ 18 معهداً للأبحاث، وتهتم بالبحوث العلمية الطبية في مختلف المجالات المرضية، ويأتي المعهد الصيني لأبحاث العلوم البيئية ليقدم أبحاثاً ودراسات للتكنولوجيا العالية بهدف حماية البيئة، والتقليل من التلوث، والمحافظة على سلامة الزراعة والإنسان.
أحد المدافع التي استخدمت في حرب الأفيون
وهذا التقدم التكنولوجي الذي شهدته الصين خلال سنوات معدودة في عمر الشعوب، أدى نتائج عالمية مبهرة، فنجد أن الجامعات الصينية وخلال المدة من عام 2001 إلى 2005 حصلت على 75 جائرة وطنية للعلوم الطبيعية، من ضمنها 64 جائرة وطنية في الابتكار التكنولوجي فقط.
اتفاقيات التعاون الثقافي تصل بالطلاب السعوديين في الجامعات الصينية إلى ألف طالب الصيني الجديد تعولم مع سياسات الانفتاح الاقتصادي في طريقة حياته ولم يفقد هويته
ولتقريب الصورة بشكل أكثر وضوحاً عن مدى التقدم التعليمي، نلاحظ أن مؤسسات التعليم العالي وصلت في عام 2007 إلى 2321 جامعة ومعهداً عالياً من ضمنها 260 جهازاً للأبحاث العلمية، وزاد عدد المقبولين في التعليم العالي ليصل إلى أكثر من 27 مليون طالب وطالبة.
ولندرك حجم الاستثمار في المجال التكنولوجي تقول إحدى الإحصائيات التي صدرت عام 2007: إن حكومة الصين أنفقت ما يقارب ال 271 مليار يوان (40 مليار دولار) بما يوازي 26 ضعفاً، مقارنة مع ما كان في 1991 للاستثمار في مجال التكنولوجيا، ما جعل الصين تحتل المرتبة السادسة في العالم خلف الولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، من حيث ضخامة الحجم الكلي المخصص للأبحاث والتطوير.
***
التقنية الصناعية.. هدف وغاية
وكانت زيارة مدينة (سونغشانهو) الصناعية لتنمية التكنولوجيا العالية بمحافظة هومن فرصة ذهبية للتعرف عن قرب إلى كيفية سعي الصين في الانطلاق من صناعاتها العادية والتقليدية إلى الصناعات عالية التقنية من خلال توطين التقنية، حيث قامت بتهيئة البنية التحتية وتشجيع براءات الاختراع ودعم الكفايات الشابة. وتمثل هذه المدينة الصناعية التي تعد نموذجاً للمدن الصناعية عالية التقنية، واحدة من المدن الصناعية ال (54) التي أنشأتها الصين في كل منطقة من مناطقها للنهوض بالصناعة وخاصة ذات التقنية العالية.
وتعد مدينة (سونغشانهو) الصناعية سوقاً متكاملاً للتقنية تتوافر فيها كل الإمكانات للتطوير، إذ تفخر المدينة بتبنيها كثيراً من الاختراعات التي أصبحت أساساً لصناعات عالية التقنية، في المنظومة التجارية الصينية.
ومن المعلومات التي زادتنا انبهاراً بالتقدم الصناعي الصيني اهتمامها بالأبحاث عالية التقنية، حيث وضعت الصين خطة إستراتيجية هدفها تحقيق تقدم مهم في مجالات التقنية المعلوماتية، والبيولوجية، والصيدلة الطبية، والصناعة المتقدمة، والطاقة المتقدمة، وتقنية البحار، وتقنية الزراعة الحديثة.
ونتيجة لهذا الاهتمام حصلت الصين على أكثر من 34 ألف اختراع للبراءة، وامتلكت أكثر من 13 ألف اختراع للبراءة الصناعية التكنولوجية العالية، سجلت بأسماء أفراد ومؤسسات تم على اساسها تصنيع كثير من المنتجات التي غزت الأسواق العالمية في يومنا هذا.
منارة أقدم مسجد في الصين قبل أكثر من 1300سنة
وليس هذا فقط بل أنه تزامن مع هذا الاهتمام بتحصيل التقنية العالية اهتمام آخر يتمثل في تعلم اللغة الإنجليزية التي تشهد إقبالاً متزايداً من الصينيين، فالمؤسسات التعليمية من رياض الأطفال إلى الجامعة تدرس اللغة الإنجليزية، والهيئات الحكومية تجري اختبارات لموظفيها في الإنجليزية، والإذاعة والتلفزيون تقدم برامج كثيرة لتعليم اللغة الإنجليزية للصغار والكبار، وكتب تعليم الإنجليزية تنتشر في كل مدينة وقرية ما يؤكد أن المجتمع الصيني يتغير بشكل متسارع، ويقبل على الاستفادة من هذا النمو الاقتصادي الذي فاق حتى توقعات المتفائلين في رسم السياسة المستقبلية الصينية.
معرض (كانتون) النافذة الأكبر للتعريف بالمنتجات الصينية على مساحة تتجاوز المليون متر و58700 جناح وأكثر من 150 ألف منتج
***
المسلمون في الصين..
وكان من ضمن برامج الزيارة القصيرة زيارة أول مسجد أقيم قبل 1300 سنة في الصين، وهو مسجد (هواشينغ) الذي مازالت منارته القديمة ترتفع في هذه المنطقة؛ لتؤرخ لبدايات دخول الإسلام في أوائل عام 651 تقريباً، وذلك عندما بعث ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه مبعوثاً إلى مدينة تشانغان، عاصمة الصين آنذاك، حيث التقى مبعوث الإمبراطور الصيني.
وتعرف الصينيون إلى الإسلام وبدأت علاقاتهم مع المسلمين منذ ذلك الوقت، حيث اهتدى للإسلام آلاف الصينيين، وبنوا المساجد وأصبح لهم تراثهم وتقاليدهم المعروفة حتى اليوم، ممزوجة بالثقافة الصينية التقليدية التي نراها في فن المعمار والاحتفالات وبعض العادات والتقاليد الدينية، وبخاصة ما له علاقة بالدمج العميق في مجال الأصول الدينية والأخلاق، ما شكل الإسلام ذا الخصائص القومية الصينية وتمثله 10 قوميات، هي: الويغور، والقازاق، وقرغيز، والأوزبك، والطاجيك، والتتار، وهوي، وسالار، وباوان، ودونغشيانغ.
ولقد اتخذت حكومة الصين بعد تأسيسها عام 1949 سياسة مساواة كل القوميات مع حرية العقيدة، ما مكن المسلمين من التمتع بحرية الاعتقاد. واهتمت الحكومات المحلية في أنحاء الصين بحماية المساجد، والقباب، والمواقع الدينية، واحترام عادات المسلمين وتقاليدهم، بما في ذلك حصولهم على إجازات في عيدي الفطر الأضحى.
ويبلغ عدد المسلمين في الصين اليوم أكثر من 23 مليون نسمة، يخدمهم أكثر من 34 ألف مسجد في المناطق التي يعيشون فيها، بمعدل مسجد لكل 500 مسلم تقريباً، ويبلغ عدد الأئمة أكثر من 45 ألف فرد. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة والصين تمكن أكثر من 70 ألفاً من المسلمين الصينيين من الحج، خلاف القادمين للعمرة، ومازالت أعداد القادمين لزيارة الأماكن المقدسة تتزايد عاماً بعد آخر، حيث لمسنا لدى المسلمين الصينيين تلهفاً شديداً لزيارة مكة المكرمة، والمدينة المنورة، يدفعهم إلى هذا، عمق الروابط الدبلوماسية والاقتصادية، التي تتزايد توثقاً يوماً بعد آخر بين بكين والرياض، كما تزايد عدد الباحثين في الدراسات العلمية الإسلامية في الصين.
حرب الأفيون أعلنت الانفتاح على الغرب فأصبحت أكثر الدول في معدل النمو السنوي صناعياً واقتصادياً
***
الطلاب السعوديون في الصين
كان من بوادر توثق العلاقات الصينية السعودية توقيع اتفاقيات تعاون ثقافية مشتركة، كان من أهم بنودها تشجيع التبادل الثقافي والتعليمي بين الجانبين، وكانت بوادر نجاح هذه الاتفاقية بناء علاقات ثقافية من خلال المشاركة في المناسبات الثقافية المحلية، ودعوة المسؤولين والمثقفين السعوديين للمشاركة في المهرجانات الثقافية الصينية. وإرسال الطلاب السعوديين للدراسة في الجامعات الصينية المرموقة الذين ارتفعت أعدادهم لتصل إلى ألف طالب، معظمهم جاءوا ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، ويواصلون دراساتهم الجامعية والعليا في التخصصات التقنية.
وتحرص الحكومة الصينية على تقديم جميع التسهيلات للطلاب السعوديين لتعلم اللغة الصينية المعقدة في بعض نواحيها؛ لاعتمادها على رسم الكلمة أكثر من اعتمادها على الحروف الأبجدية. كما أن من مظاهر الاهتمام بتوثيق التعاون مع العالم العربي ما وجدناه من انتشار لمراكز تعليم اللغة العربية التي يلتحق بها آلاف الطلاب والطالبات الصينيين، الحريصين على تعلم اللغة العربية، والأجمل من كل ذلك هو أن التعليم يتم بلغة عربية فصيحة.
ولا تقتصر مظاهر التعاون بين المملكة والصين على التعاون الثقافي الذي أفرز توقيع 13 اتفاقاً متبادلاً بين الجامعات ومعاهد البلدين؛ لزيادة التعاون في مجال التعليم العالي، والبحوث العلمية، بل إن التعاون التجاري والاقتصادي يمر في أزهى حالاته، فكثير من المشروعات الضخمة التي تنفذ في المملكة تشارك فيها شركات صينية، وتمثل اتفاقية سابك مع سينبوك للبترول الصينية أضخم اتفاقية للحكومة الصينية في مجال النفط.
وأعتقد أن من الضروري تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا وخصوصاً التقنية العالية؛ لأن الصين والسعودية تواجهان - حالياً - التحديات المتعلقة بتحويل الهياكل الصناعية، وحكومة الصين لديها الاستعداد الكامل لدعم أي توجهات للتعاون في المجال التقني.
مركز المعارض (معرض كانتون)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.