بموافقة تعيين أول محكِمة تجارية في المملكة، أعادت محكَمة الاستئناف الإدارية بالمنطقة الشرقية الجدل حول تولي المرأة لولاية التحكيم، فبينما رآها البعض خطوة محمودة، من شأنها أن تفتح للمرأة آفاقا جديدة من مجالات العمل، ومن شأنها زيادة الموارد البشرية العاملة في هذا المجال، يرى البعض الآخر أن قرار المحكمة يفضي إلى تولية المرأة سلطة لا تصلح لها، باعتبار أن التحكيم شعبة من القضاء والمرأة لا تصلح للقضاء، فهل فعلا يعتبر التحكيم قضاء من الناحية الشرعية؟ أم أن إطلاق لفظ القضاء عليه على سبيل المجاز؟. إن المتأمل في ولايتي القضاء والتحكيم يجد بينهما فروقا جوهرية، من شأنها أن تبين صلاحية المرأة لولاية التحكيم، ولعل أبرز هذه الفروق هو المصدر الذي تُستمد منه الولاية، فالقضاء يستمد ولايته من ولي الأمر، بينما يستمد المحكم ولايته من أطراف المنازعة، ومن الفروق أيضاً الاختصاص، فالقضاء مختص بنظر جميع المنازعات، بيد أن التحكيم كما قال ابن العربي: «في الأموال والحقوق التي تختص بالطالب، فأما الحدود فلا يحكم فيها إلا السلطان». فالتحكيم (القضاء الخاص) هو اتفاق أطراف علاقة قانونية عقدية أو غير عقدية على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل، أو التي يحتمل أن تثور من طريق أشخاص يتم اختيارهم محكمين، فإذا كان الاتفاق على التحكيم قبل حدوث أي خلافات بينهم فيكون اتفاقهم في هذه الحالة في شكل شرط أو بند من بنود العقد، وهو ما يسمى بشرط التحكيم، أما إذا كان الاتفاق على التحكيم لاحقا على النزاع فيسمى بمشارطة التحكيم، ويترتب على ذلك سلب اختصاص قضاء الدولة (القضاء العام)، وقبول الأطراف بشكل نهائي لقرار التحكيم الذي أصدره المحكمون. ويلجأ الأطراف في أغلب الأحوال للقضاء الخاص عندما يكون هنالك طرف أجنبي، لاختلاف القوانين التي يخضع لها الأطراف، فعلى سبيل المثال إذا كان هناك عقد بين شركة سعودية وأخرى أجنبية، فإن العقد غالباً ما يتضمن بندا يحدد المحكمة المختصة والقانون الواجب التطبيق، ويتضمن كذلك شرط التحكيم، ويحدد الأطراف محكمة اتفاق (هيئة التحكيم) بناء على الثقة والثقافة القانونية العامة، أضف إلى ذلك أن هناك قائمة بوزارة العدل بأسماء المحكمين المعتمدين، ولا يعني ذلك حصرهم، بل يمكن لأي شخص أن يكون مؤهلا للتحكيم، حسب خبرته وعلمه بالمجال المحكم فيه. خلاصة القول إن التحكيم بمثابة تفويض في الحكم، وجعل الأمر إلى غير القاضي ليحكم فيه.