نقلت لنا الأخبار أن وزارة التعليم بصدد منح ألفي مدرسة حكومية في جميع مراحل التعليم العام الاستقلالية الإدارية والمالية والأكاديمية، أي أن المدارس ستكون في وسط مرن يتيح لها اختيار ما تقدمه من المناهج التربوية وأساليب تقييم الطلاب ونوع الكتب ومستوى جودة المعلمين وغير ذلك من أشكال التنوع في مضامين التعليم ووسائله. هذه الاستقلالية المرتقبة، هي من الناحية التعليمية تعد خطوة في الطريق الصحيح نحو النهوض بالتعليم والارتقاء بجودته، لكنها تتطلب توفر الانضباط والإشراف الدقيق والتقييم المستمر لحصاد المدارس المستقلة، أما إن ترك لها الحبل على الغارب، فإن الأمر قد يتحول إلى تجارة وتكسب تنتهي بالتعليم إلى حالة من الفوضى والانحطاط. ما يبعث على الاستغراب في هذا الخبر، هو أن وزارة التعليم تبدأ بمنح الاستقلالية الأكاديمية والإدارية والمالية لمدارس التعليم العام، وتترك الجامعات ترزح تحت قيود التبعية لها، رغم أن الجامعات هي الأولى بمثل هذه الاستقلالية!! الجامعات في وضعها الحالي تخضع جميعها لقبضة الوزارة المحكمة على عنقها، فهي جميعها تخضع لمركزية القرار وعليها الرجوع إلى الوزارة كلما بدت لها حاجة إلى التغيير كالرغبة في تأسيس كلية جديدة أو دمج كليات أو إلغائها أو إنشاء أقسام علمية جديدة، أو حتى إقامة مؤتمر علمي، هي في كل ذلك لابد لها من الرجوع إلى الوزارة، كما أنها لا تملك كامل حرية التصرف في شؤونها المالية أو الأكاديمية أو الإدارية، فضلا عن كونها مقيدة بلائحة موحدة عليها الالتزام بها، بصرف النظر عما بين الجامعات من فروق، فتحت هذه اللائحة لا فرق بين الجامعة العريقة والجامعة الناشئة، ولا فرق بين جامعة كبيرة وأخرى صغيرة، ولا مراعاة لاختلاف التخصصات أو الأهداف، الجامعات في عين اللائحة الموحدة كلها سواء. فكان أن أصبحت الجامعات نسخا متطابقة لا مجال للتنافس أو التمايز بينها. إن الجامعات هي الأقدر على إدارة نفسها وهي الأولى بالاستفادة من هذه الخطوة التقدمية نحو استقلالية المؤسسات التعليمية، فبقاء الجامعات مرتبطة بالوزارة يقيدها ويحدث داخلها نمطية رتيبة تحد من انطلاقها نحو التجدد والتطور. [email protected]