كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن موضوع قديم حديث ألا وهو "استقلالية الجامعات" بعد صدور الأمر الملكي الكريم بدمج وزارة التعليم العالي مع وزارة التربية والتعليم في وزارة واحدة هي وزارة التعليم. وكذلك صدور الأمر الملكي الكريم بإلغاء مجلس التعليم العالي الذي كان هو المرجع الأساسي لجميع الجامعات في جميع شؤونها تقريباً. والذي جعل من معظم الجامعات نسخاً مكررة من بعضها البعض من خلال اللوائح الموحدة في معظم المجالات مثل اللائحة الموحدة للدراسة والاختبارات، واللائحة الموحدة للبحث العلمي، واللائحة الموحدة للدراسات العليا و... الخ. ويرى المطالبون ب"استقلالية الجامعات" بأن الجامعات في الدول المتقدمة عند نشأتها كانت مؤسسات مستقلة تدير نفسها بنفسها دون تأثير من السلطات السياسية والدينية وغيرها، وكانت مهتمة بالعلم والبحث والتطوير وخدمة مجتمعاتها، وكانت الاستقلالية من أسباب تقدمها. كما أن إلغاء مجلس التعليم العالي سوف يساعد على ذلك. أما المتخوفون من موضوع "استقلالية الجامعات" فيرون أن ذلك صعب التطبيق في الوقت الحاضر لأن البيئة الجامعية في معظم جامعاتنا قد اعتادت على مركزية القرار وثقافة الاستبداد الأكاديمي، كما أنه قد يتم استغلال هذه الاستقلالية في إثارة مواضيع وقضايا قد تمس قيم وأمن المجتمع، وقد يكون هناك أسباباً أخرى تتعلق بالمصالح الشخصية حيث إن "استقلالية الجامعات" بمفهومها الشامل قد تؤدي إلى ضبط الأمور المالية والإدارية داخل كل جامعة. بداية لابد من تحرير المقصود بمصطلح "استقلالية الجامعات" هل هو الاستقلال الإداري، أم الاستقلال المالي، أم الاستقلال الأكاديمي (العلمي)، أم جميع هذه الأمور الثلاثة مجتمعة (الاستقلال التام). لا شك أن هناك من يؤيد الاستقلال الإداري فقط، وهناك من يؤيد الاستقلال الإداري والمالي دون الاستقلال الأكاديمي، وهناك من يؤيد الاستقلال التام للجامعات (الإداري والمالي والأكاديمي)، ولدى كل فريق من الأسباب التي تؤيد رأيه. إن الجميع مؤيدون للاستقلال الإداري بلا معارض حسب ما أعتقد حيث إن ذلك سوف يعطي الجامعات الحرية في التوظيف ويعالج القصور الإداري والتنظيمي داخل كل جامعة، وكذلك سوف يقضي على البيروقراطية الحالية في معظم الجامعات. أما المؤيدون للاستقلال الإداري والمالي دون الاستقلال الأكاديمي، فيرون أنه يمكن ضبط الأمور المالية والإدارية بإنشاء نظام المسائلة الداخلي في كل جامعة. ويعارضون الاستقلال الأكاديمي في الوقت الحاضر لأن الجامعات في المملكة العربية السعودية مختلفة الخبرة من الناحية الأكاديمية حيث إن معظمها حديثة الإنشاء ولا تستطيع إصدار القرارات المناسبة في فتح برنامج أو قسم جديد أو غير ذلك من الأمور الأكاديمية لنقص الخبرة والكوادر البشرية القادرة على صنع القرار. ويرى كاتب هذا المقال كما يرى المؤيدون للاستقلال التام للجامعات (الإداري والمالي والأكاديمي) بأن ذلك ممكناً ولكن بشكل تدريجي وبوضع ضوابط لهذا الاستقلال. ويبدأ ذلك بتأسيس مجلس أمناء لكل جامعة يضم الخبراء من العلماء والأكاديميين وممثلي القطاع الخاص يشرف على الجامعة ويرسم لها السياسات والاستراتيجيات الخاصة بتطويرها، ويقوم بترشيح مدير الجامعة كرئيس تنفيذي للجامعة ويرفع به لصاحب الصلاحية للموافقة على ذلك. ومن ثم يقوم المدير (الرئيس التنفيذي) المعين بترشيح نوابه ورفعهم لمجلس الأمناء للموافقة على تعيينهم. ويصاحب هذا المجلس مجلس الجامعة الذي يتكون من مدير الجامعة (الرئيس التنفيذي) ونوابه وعمداء الكليات والعمادات المساندة (المنتخبين) وممثلين لأعضاء هيئة التدريس ولطلاب الجامعة. ويقوم مجلس الجامعة بتنفيذ الخطط الاستراتيجية للجامعة وإدارة الجامعة وإعطاء الصلاحيات المناسبة للوحدات الإدارية والأكاديمية في الجامعة. أما الجانب الأكاديمي فإنه يمكن وضع الضوابط المناسبة لإعطاء كل جامعة استقلالها الأكاديمي مثل عمر الجامعة الزمني (مثلاً عشر سنوات أو أقل من ذلك بقليل أو أكثر)، وحصول الجامعة على الإعتماد الأكاديمي المؤسسي (وعدد البرامج المعتمدة أكاديميا) من قبل الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، والنشاط البحثي لأعضاء هيئة التدريس، وغير ذلك من الأمور الأكاديمية. ويتم في الوقت الحاضر إنشاءإدارة في وزارة التعليم تسمى "إدارة الجامعات" للنظر في طلبات الجامعات التي لم تستوف هذه الشروط والضوابط، أو قد تكون هناك جهة محايدة مثل الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي تقوم بهذا الدور، ولعلي أتناول موضوع الهيئة في مقال لاحق بمشيئة الله. والله من وراء القصد.