وبعد أن طرحت أهمية إعادة هيكلة الجامعة السعودية في الأمور المتعلقة بمواردها المالية والتوظيف كمدخل أساس لإصلاحها ومساعدتها على الاستقلالية والتنافسية وتطوير معاييرها الإنتاجية. أشير إلى عدم نسياني للفكرة التي يرددها الكثيرون وتتعلق بإيجاد مجالس أمناء للجامعات بعد إلغاء المجلس الأعلى للتعليم العالي، لكنني أخشى الاعتقاد بأن منتهى الإصلاح هو إيجاد مجلس أمناء خاص بكل جامعة ونسيان كون الجامعة تسير وفق نظام مالي وإداري متواضع أو غير محدد المعالم من ناحية ارتباطه بإنتاجيتها وتميزها واستقلاليتها. تأسيس مجلس أمناء لكل جامعة ضرورة لحوكمة الجامعة، لكنه في حال بقاء الجامعة رهينة أنظمة وزارات الخدمة المدنية والمالية والتعليم، فسيعمل ذلك المجلس على الهوامش المتمثلة في تعيين العمداء أو رؤساء الأقسام وإقرار الخطط الدراسية دون استقلالية حقيقية. في مقالاتي هنا تجنبت التفصيل حول العمليات الداخلية للجامعة، فذلك باب واسع ويفترض ألا نقترح توحيده حيث هي مهمة إدارة الجامعة بإشراف مجلس أمنائها تطوير تنظيماتها الداخلية. رغم ذلك سأتطرق على عجالة لأهم مجلسين أو لجنتين بالجامعة وهما المجلس العلمي والمجلس أو اللجنة الأكاديمية. سأكون صريحاً وأشير إلى هناك خلل في تنظيم هذين المجلسين وهناك اختراق وتجاوزات كبيرة حدثت وتحدث في بعض المجالس العلمية للجامعات، سواء في مجال الترقيات والتعيينات أو الدراسات العليا والبحث العلمي أو الخطط الدراسية والأكاديمية. المجلس العلمي يفترض أن يكون الأقوى في أي جامعة محترمة علمياً ومستقلاً عن أية تدخلات بما في ذلك تدخلات الإدارة العليا للجامعة، لكن نظام التعليم العالي الموحد لجميع الجامعات يجعل المجلس العلمي برئاسة وكيل الجامعة وهو - أي وكيل الجامعة- يعتبر مكلفاً بعمل إداري لمعاونة مدير الجامعة. أراه ضرورة استقلالية المجلس العلمي بالجامعة بحيث يرأسه أستاذ مستقل من الجامعة ليس لديه أية منصب إداري آخر ويتم تعيينه وفق آلية صارمة في الاختيار يقرها مجلس الأمناء أو ينص عليها النظام، كأن يكون عن طريق لجان متخصصة أو انتخابات داخل كل كلية ثم داخل المجلس العلمي ..الخ. وقد سبق أن كتبت عن ذلك عبر هذه الزاوية وطرحت في كتابي «اختراق البرج العاجي» أمثلة للاختراقات التي حدثت لبعض المجالس العلمية بأبرز الجامعات السعودية. المجلس الآخر ويسمى في جامعتنا باللجنة هو المجلس الأكاديمي وهذه اللجنة أصبحت متواضعة في كثير من جامعاتنا مهمتها في حالات عديدة مجرد تمرير القرارات حتى أصبحت البرامج والكليات تقر دون خطط دراسية أو بخطط وهمية أو بناء على تعليمات من إدارة الجامعة أو الكلية دون المرور بالقنوات الأكاديمية المعروفة. ربما لذلك لم تؤسس مجالس أكاديمية قوية وبقيت لجاناً يمثل فيها أفراد ليسوا خبراء في المناهج والسياسات التعليمية والأكاديمية وغيرها مما له علاقة بالبرامج والكليات والخطط الدراسية وبقية الأمور الأكاديمية. المجلسان العلمي والأكاديمي يجب أن يتسما بالاستقلالية والقوة العلمية والحياد الفكري. والحديث عنهما لا يعني فقط موضوع التشكيل والاجتماعات بل عن متابعة جميع الخطوات ذات العلاقة بأعمال كل مجلس بدءاً من القسم الأكاديمي ومروراً بالكلية واللجان والعمادات الأخرى. هذان المجلسان هما الجناحان اللذان بهما تحلق الجامعة ودقة أعمالهما ستعيد الهيبة للقرار الأكاديمي والعلمي والبحثي في الجامعة في كل خطواته ومن منبعه بالقسم الأكاديمي... التعليم بصفة عامة والتعليم العالي بصفة خاصة شجونه عديدة، وتطويره وإصلاحه يتطلب مزيداً من النقاش والدراسة واعتذر من القراء إن أسهبت في الكتابة حول التعليم وتجاهلت مواضيع أخرى في هذا التوقيت حيث أراها فرصة تطويرية مواتية بتكوين وزارة التعليم الجديدة، نرجو أن تكون واعية بالاطلاع على مختلف الآراء ودراسة المفيد منها.