عقوبة الجلد في الشريعة الإسلامية وردت في جرائم الحدود على سبيل الحصر، وجرائم الحدود كما هو معلوم وضع لها الشارع نظاما خاصا في طريقة الإثبات بحيث يغلب الشارع مسألة درء الحد، وذلك تنفيذا للحديث الصحيح «ادرؤوا الحدود بالشبهات»، إلا أن التعازير الواردة بالشريعة لم يحدد لها الشارع عقوبات معينة بحيث يعطي مساحة واسعة لتحديد العقوبة على حسب تقلب الزمان والمكان فيبقى التجريم قائما إلا أن العقوبة (نوعا وكما) متغيرة ، إلا أنه بعد تطور آلية التشريع والتجريم والعقاب أصبح من غير الملائم وضع عقوبة الجلد كإحدى العقوبات في الجرائم التعزيرية، وإنما يوجد بدائل عقابية للمدان في بعض الجرائم كعقوبة السجن والغرامة والعمل الاجتماعي وغيرها من العقوبات الجديدة الحديثه التي تتلاءم والمفاهيم الإنسانية الجديدة، ولا يعني إلغاء عقوبة الجلد في الجرائم التعزيرية تراجعا عن تطبيق الشريعة لأن الجلد غير ملزم إلا في الجرائم الحدية، وقد طبقت المملكة هذا المفهوم في وقت مبكر ومنذ بداية تقنين الجرائم التعزيرية، واكتفت فيها بعقوبة السجن والغرامة ولا يوجد قانون جنائي فيما أعلم صدر لتقنين جريمة تعزيرية ونص على الجلد كإحدى العقوبات الواردة فيه، وتبقى الإشكالية في الجرائم التعزيرية غير المقننة الأمر الذي يحتاج إلى تدخل سريع وحاسم من المحكمة العليا لترسيخ مبدأ قضائي ملزم بعدم استخدام الجلد كعقوبة في الجرائم التعزيرية وقصره فقط على الحدود التي نصّ عليها الشارع عقوبة كالزنا والقذف وشرب الخمر، وللأسف أن التعزير بالجلد لم يقتصر فقط على الجرائم غير المقننة وإنما صدرت أحكام بالجلد في جرائم مقننة لم يرد فيها الجلد كجرائم المعلومات. أعتقد أنه من المهم جدا أن تكون نظرتنا واسعة جدا فيما يتعلق بالجوانب الجنائية في الشريعة وأن تكون مقاصد الشريعة هي حادينا في تطبيق رؤية تطوير القضاء بما يتلاءم ورؤية 2030، فلا يعني مراجعة بعض الإجراءات القضائية أننا تخلينا عن الشريعة كمرجع تشريعي للدولة لأن المفاهيم الشرعية واسعة ومناطق العفو كبيرة جدا تركها الشارع دون نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت لحكمة عظيمة وهي أن تبقى هذه الشريعة صالحة لكل زمان وكل مكان مهما كانت الاختلافات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كبيرة وعميقة والأرضية دائما هي قواطع الشريعة أما التفاصيل فمتغيرة تدور مع المصلحة أين دارت وحيث كانت.