نظم السودانيون بالعاصمة الرياض الأسبوع الماضي، احتفالية مشهودة لتكريم الزميل معاوية حسن يس، مسؤول تحرير «عكاظ»، بحضور نوعي من ألوان الطيف السوداني كافة، في ليلة مزجت بين هموم وشجون المهنة وذكرياتها والثقافة والفنون. وضع المحتفون معاوية على طاولة المساءلات الفكرية والنقدية، مع استقصاء دقيق لمسيرته الصحفية التي بدأت في منتصف سبعينات القرن الماضي، حين انتزعه وزير الخارجية السوداني – آنذاك – المفكر الدكتور منصور خالد، من قاعات كلية القانون في جامعة الخرطوم إلى صالات مهنة البحث عن المتاعب. كان ضيف الاحتفالية محررا صغيرا وموهوبا في جريدة «الصحافة» السودانية في حقبة الرئيس الراحل جعفر نميري، وهو أمر لم يشأ أحد الحاضرين في الليلة تفويته بسؤال الضيف إن كان أحد أعمدة حكومة نميري التي أطاحت به ثورة شعبية في منتصف ثمانينات القرن الماضي. وكعادة السودانيين الذين يحرصون على خلط الثقافة بالسياسة والموسيقى بالآيديولوجيا، نجح ضيف سودانيي الرياض في الرد بمرافعة مهمة: كيف لمحرر مبتدئ أن يصبح دعامة لحكومة ثورية مهتاجة قوامها رجال كبار سنا ومقاما؟. جمعية الصحفيين السودانيين، والملتقى الثقافي السوداني، ورابطة الصالحية، وجمعية أصدقاء الفنان أبو عركي البخيت، وطائفة من المبدعين السودانيين ممن نظموا الاحتفالية، حرصوا على توجيه الدعوات إلى رموز الجالية السودانية من أساتذة جامعات ومفكرين، وفي مقدمتهم البروفيسور عثمان الحسن الأستاذ في جامعة الملك سعود، الذي أثنى على مبادرة المحتفى به في إنشاء فضائية سودانية تجمع «دياسبورا» السودانيين في الخارج، فيما حرص الدكتور حسين حسن حسين أستاذ الصحافة والإعلام على وضع معاوية يس على طاولة الاعترافات عن مسيرته المهنية التي امتدت بين عواصم ومؤسسات إعلامية كبرى عدة، مثل هيئة الإذاعة البريطانية، «الحياة» اللندنية، قناة «إم بي سي»، صحيفة المدينة في جدة، ثم مكتبها في لندن، ثم الوسط اللندنية في حقبتي جورج سمعان وغسان شربل، غير أن أبرز العلامات في مسيرته الصحفية الحافلة تمثلت في انضمامه إلى الفريق المؤسس للطبعة السعودية من «الحياة» بقيادة الزميل جميل الذيابي، وهي الفترة التي يصفها يس ب«الخصيبة والملهمة»، فحققت «الحياة» نجاحات هائلة في فترة قصيرة، وضعتها على صدارة الصحف المحلية في وقت وجيز. اختار المحاور الثاني في احتفالية السودانيين ب«الزول السمح» معاوية حسن يس.. شغفه بالموسيقى والفن السوداني، إذ أعد أكبر موسوعة لتدوين تاريخ الغناء السوداني في ثلاثة مجلدات ضخمة نفدت من المكتبات في فترة قصيرة، ويعكف حاليا على إعداد المجلد الرابع، وهو العمل المهني الأول من نوعه في السودان في توثيق مسيرة الغناء السوداني منذ حقبة ما يطلق عليه «فن الحقيبة»، والأسطوانات النادرة، انتهاء بمنتجات شركة «منصفون». واستفاد ضيف الأمسية من شبكة علاقاته الواسعة، وولعه بالموسيقى ذات السلم الخماسي، في توثيق الفن السوداني بعيدا عن ثقافة المشافهة التي يولع بها السودانيون فأضاعت كثيرا من تراثهم ودررهم في الثقافة والفكر والآداب والفنون والسياسة والتاريخ. وتناول الضيف، في الاحتفالية، علاقته الطويلة وصداقته الممتدة مع هرم الغناء السوداني محمد وردي، غير أن المحاورين فاتتهم فرصة تسليط الضوء على مهارة ضيفهم في العزف على العود، أو تقديم نماذج من روائع صديقه المطرب الراحل محمد وردي ربما في انتظار سانحة أخرى. لتختتم الأمسية بنماذج من إبداعات المغنيين السودانيين الهادي الجبل، فتحي حسين (العزيزة)، واثنتين من البراعم شدتا بمجموعة من الأغنيات التي تثير وتعطر وجدان السودانيين في غربتهم.