في أجواء السعي لحل سياسي لأزمة سورية، صرح عضو مجلس الاتحاد الروسي أندريه كليموف أن الهدف من مفاوضات جنيف هو مناقشة سبل تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الصادر في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، الذي سيتم بموجبه تشكيل حكومة انتقالية وصياغة دستور جديد للبلاد خلال نصف سنة، وإجراء انتخابات خلال فترة 18 شهرا من تاريخ صدوره. هذه الأجواء التي سبقت الذهاب إلى جنيف 3، دعت إلى هامش من التفاؤل بانتهاء المأساة السورية والتي استمرت لسنوات، وتمثل أكبر كارثة في القرن الواحد والعشرين، وقد كانت السعودية سعت لتوحيد أكبر طيف من فصائل المعارضة، لتقطع الطريق على النظام السوري وألعابه الكلاسيكية عبر صناعة دمى تابعة للنظام، باعتبارها معارضه وتسميتها معارضة الداخل أو المعارضة الوطنية. روسيا أيضا أعجبتها هذه اللعبة واستخدمت صالح مسلم، وورقة الأكراد كمعارضة غائبة عن اجتماع الرياض، وبالتالي ترديد نغمة أن المعارضة التي اجتمعت في الرياض غير مكتملة، وسعت عبر مسعاها لإخراج حل يتناسب مع طموحاتها، وسياسية أوباما المحفزة لتعمل روسيا ما شاءت، إلى خلق طرف ثالث للمفاوضات كمعارضة هي في الواقع ممثلة لروسيا، وحين أصرت المعارضة على رفض ذلك، تم تسميتهم مستشارين لستيفان دي ميستورا مندوبي الأمين العام لسورية. عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي أندريه كليموف قال عن مباجاث جنيف، إن الحوار صعب وذلك كان متوقعا، «إذا أخذنا بالاعتبار مضي سنوات عدة على نشوب الحرب في سورية، وتسببها بسقوط ألوف الضحايا. ومع ذلك فإن استعداد الأطراف للتفاوض أمر إيجابي». ويضيف كليموف أن «قرار طرف ما مقاطعة المفاوضات، أو إعلانه عن أن موقفه لا يؤخذ بنظر الاعتبار، أو فرضه مسبقا تنفيذ شروط ما؛ لن يغير شيئا من قرار مجلس الأمن الدولي». وبغض النظر عن كون قرار مجلس الأمن يفسره كل طرف على هواه، إلا أن كل جلسات المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة، كانت دوما تتسم بالتعطيل من النظام وحلفائه، واعتبار ما يحصل على الأرض هو الأهم وهو ما يحسن شروط التفاوض، أما المفاوضات فهي شراء للوقت. النظام السوري بالفعل انتهى منذ اللحظة التي احتاج لقوات غير سورية للذود عنه، وقد استعان بحزب الله وكسب معارك كالقصير أغسطس 2013 ولكنه لم يكسب الحرب، وعاد واستعان بميليشيات شيعية تابعة لإيران من أفغان وباكستانيين شيعة، ثم اضطرت إيران أخيرا للمشاركة بجنودها لكنها لم تحسم المعركة، بل حتى الروس الذين تدخلوا بدعوى قتال داعش انسحبوا بعد تحقيق بعض الأهداف دون حسم المعركة لصالح الأسد. وتبين أن هدف الروس الأساسي هو عزل المعارضة السورية عن تركيا، ومنع تركيا من تحقيق منطقة حظر طيران شمال سورية، الأتراك أيضا تبين أن كل ما يعنيهم أن لا تقوى شوكة الأكراد السوريين، فتنتقل العدوى للأكراد الأتراك فتعود الأحلام الانفصالية القديمة الجديدة، أما باقي الشعب السوري الذي يقتل يوميا فلا يهم تركيا ولا الغرب الذي استغنى عن كل قيمه في سورية، وحتى فرنسا التي مثلت الصقور في مهاجمة نظام الأسد خفت صوتها بعد تفجيرات باريس وخفت أكثر بعد تنحي لوريان فابيوس عن حقيبة الخارجية. اليوم تعيش حلب مأساة إنسانية غير مسبوقة، وأصبح القصف ضد أهداف معروفة ومأهولة بالسكان كالمدارس والمستشفيات، حيث أعلنت منظمة أطباء بلا حدود أن مستشفى تابع لها قصف في حلب، كثافة القصف تزايدت بشكل غير مسبوق، وجاءت كعقاب للمعارضة السورية التي انسحبت من مفاوضات جنيف، وقد عبرت المعارضة أنها لا يمكن لها أن تستمر في المفاوضات والهدنة تخترق يوميا من النظام، كما أن المساعدات لا تصل للمناطق المنكوبة والمحاصرة. وبالتالي نهجت روسيا معاقبة المعارضة عبر حلب، واتخذتها فرصة لتدمير المدينة الكبيرة وتهجير سكانها، بل وتنادي أطراف روسية إلى ضم «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» للمنظمات الإرهابية، أي استمرارها في تسويق أن كل سورية دواعش وإرهابيين عدا بشار وزمرته. روسيا تعرف جيدا أن الأشهر الأخيرة لأوباما فرصة لا تعوض، حاولت من خلالها استغلال جنيف 3 للخروج بحل سياسي في سورية يناسبها وفشلت، واليوم تحاول الخروج بحل عسكري في حلب بعد أن فشل تدخلها السابق، أما الولاياتالمتحدة فتبين أن ليس لديها خطة «ب» حتى لو أبيد الشعب السوري عن بكرة أبيه، وفي ظل الوهن الذي أصاب دولا عربية عدة، لم يبق للسوريين إلا دول الخليج الذين عليهم واجب كبير في حماية الشعب السوري، بكل جهد عسكري ودبلوماسي لأن ما يحدث في حلب اليوم عار السكوت عنه.